ولد فريد فهد الأطرش في مدينة السويداء فى محافطة جبل العرب بسوريا.
في العام 1917 عادت الأسرة إلى جبل الدروز بعدما كان محمد الأطرش قد سافر وعائلته للعمل بالأناضول لفترة قصيرة، وفي طريق العودة ولدت فى عرض البحر على ظهر باخرة يونانية آمال الأطرش، أخت فريد وتوأم روحه، والتي عرفت بعد ذلك بإسم “أسمهان”.
في العام 1921 وقفت عائلة الأطرش فى جبل الدروز في وجه القوات الفرنسية، فخافت الأم علياء المنذر على أبنائها الثلاثة فؤاد وفريد وآمال، وقررت أن تنتقل بهم إلى لبنان، وهناك ألحقت فريد بمدرسة “سان جوزيف”. وفي العام 1923 قررت السيدة علياء الإنتقال بأبنائها إلى القاهرة، لكنها عند وصولها للقنطرة لم يسمح لها بدخول الأراضى المصرية لأنها لم تكن تحمل جواز سفر، إلا أنها استطاعت الوصول إلى الزعيم سعد باشا زغلول، الذي كان على علاقة طيبة بعائلة الأطرش، فتوسّط لها وسمح لها بدخول القاهرة، التي استقروا فيها في شارع البحر.
ألحقت الأم ولديها الاثنين بمدرسة “الفرير” فى القسم المجاني، ولكن كان على السيدة علياء أولاً البحث عن لقب آخر غير الأطرش صاحب السمعة المزعجة للفرنسيين، لذا أدخلت ولديها فريد وفؤاد تحت لقب كوسى، والذي ظل يلازمهما لسنوات عدة إلى أن عرفت المدرسة بحقيقة نسبهم، فخرجا من المدرسة، وأكمل الولدان تعليمهما فى المدرسة البطريركية للروم الكاثوليك بلقبهما الحقيقي.
ظهور الموهبة
بدأت تظهر مواهب فريد الصغير، في العام 1925، الذي كان مولعاً بآلة العود منذ أن كانت والدته تعزف عليه وتغني على أوتاره، حتى إلتحق فريد بمعهد الموسيقى الشرقي، وتعرّف فيه على أستاذه الأول فى تعليم العود الموسيقار رياض السنباطي. ولاحقاً إلتحق فريد بالعمل فى فرقة بديعة مصابني، كما عمل فى ملهى بلاتشي.
وفي العام 1934تصادف وجود الموسيقار مدحت عاصم الذي كان يشغل منصب المدير الفني للإذاعة فى ذلك الوقت، في معهد الموسيقى العربية وإستمع إلى عزف فريد على العود فأعجب بعزفه وصوته جداً، وطلب منه أن يأتي للإذاعة، وبالفعل لم يضيّع فريد هذه الفرصة والتحق بالعمل فى الإذاعة المصرية.
قدم فريد فى الإذاعة أغنية “يا ريتنى طير لأطير حواليك”، في العام 1936، من تأليف وألحان المؤلف الفلسطيني الساخر يحيي اللبابيدي، وقد لفتت هذه الأغنية الأنظار إلى إمكاناته الفنية. وهي الأغنية التي كان قد قدمها المطرب اللبناني إيليا البيضة من قبل، ولكن تم منع إذاعتها تماماً لأسباب رقابية. وفي العام التالي قدّم في الإذاعة أول ألحانه إلى النور فغنى “باحب من غير أمل”.
في أوروبا
في العام 1939تلقى فريد عرضين من الإذاعة البريطانية لتسجيل بعض الإسطوانات فى لندن، فكانت هذه أول رحلة له إلى أوروبا، وعلم بعد ذلك أن التسجيل سيكون فى أحد استوديوهات باريس، فذهب إلى العنوان، وعند دخوله وجد فرقة موسيقية كبيرة العدد، فألقى التحية عليهم إلا أنهم لم يعيروه إهتماماً بالغاً، إلا بعد أن بدأت أنامله تعزف على أوتار عوده لتخرج أنغام بديعة أجبرت الجميع على الإنصات والإستماع، وبعدها تقدم إليه المايسترو واعتذر لسلوكهم معللاً أن “مؤلفي الموسيقى فى بلادنا شيوخ يكتسى شعرهم باللون الأبيض ولم نشاهد أبداً مؤلفاً موسيقياً فى مثل سنك”.
دخل فريد إلى عالم السينما مع أخته اسمهان، في العام 1940، فى أول فيلم لهما “إنتصار الشباب”، وأخرج الفيلم المخرج أحمد بدرخان وقام فريد بوضع ألحان أغاني الفيلم وكذلك وضع الموسيقى التصويرية له، واشترك فى التمثيل نخبة من أبرز نجوم السينما المصرية أنور وجدي وروحية خالد وبشارة واكيم، وظهرت فى هذا الفيلم أيضاً حبيبة الأيام القادمة سامية جمال لأول مرة، كراقصة ناشئة بين مجموعة الكومبارس فى مشهد الختام.
موت أسمهان
محطة حزينة في مسيرة فريد الأطرش تمثلت في 14 يوليو/تموز 1944، يوم رحلت رفيقة الدرب وتوأم الروح شقيقته أسمهان عن الدنيا، وذلك بموتها غرقاً فى إحدى الترع بعدما جنحت سيارتها إلى الترعة أثناء ذهابها إلى رأس البر.
وفي مطب جديد، واجه في العام 1946 واحدة من أسوأ سنواته على المستوى المادي، حيث كانت لم يكن بمقدوره دفع إيجار شقته. فلحّن كلمات الشاعر مأمون الشناوي “حبيب العمر”، والتي جاء لحنها معبراً عن حالة اليأس والبؤس التي كان يمر بهما خلال هذه السنة.
وتعاقدت معه إذاعة الشرق الأدنى لتسجيل أغنية “حبيب العمر” وكان هذا العقد بمثابة طوق النجاة بالنسبة له، وقد كان على خلاف مع الإذاعة المصرية بسب مطالبته الدائمة بمساواته فى الأجر مع محمد عبد الوهاب.
فريد المنتج
وفي العام 1947 فكّر فريد فى إقتباس اسم أغنية “حبيب العمر” ذات النجاح الباهر ليكون عنوان فيلم سينمائي جديد، فقرر أن يقوم بإنتاج الفيلم ولكنه لا يملك من النقود ما يكفي لذلك، فقرر أن يجازف وأعلن عن إنتاجه لهذا الفيلم فانهالت عليه العروض من موزعي الأفلام في الأقطار العربية من كل حدب وصوب، وبذلك إستطاع تجميع ما يكفي ويزيد من المال لإنتاج أول أفلامه “كمنتج”.
وفي العام 1950قدم فريد الأطرش في فيلم آخر مع سامية جمال أوبريت “بساط الريح”، والذي طاف فيه في كافة البلاد العربية، ماعدا الجزائر، والتي طالما عاتبه محبيه هناك على عدم تحليقه بالجزائر على بساط الريح.
وفي العام 1955قدم فريد الأطرش فيلم “عهد الهوى” المقتبس عن قصة غادة الكاميليا لاسكندر طوماس، وقام فريد بدور أرمان دوفال أمام مريم فخر الدين “غادة الكاميليا” فى حين قام يوسف وهبي بدور الأب، وكان فريد قد تبرع بإيرادات اليوم الأول لمشوهي الحرب، وقد حضر العرض الرئيس جمال عبد الناصر ومجلس قيادة الثورة ولم يتمكن فريد من الحضور بسبب مرضه الشديد ذلك اليوم.
في العام 1956 كانت بداية لقاء فريد وشادية في فيلم “ودعت حبك” من إخراج يوسف شاهين، وفي العام 1957 كان فيلم “أنت حبيبي” من إخراج يوسف شاهين ، اللقاء الثاني والأخير بين فريد وشادية، والذي قدم فيه أجمل الأغاني والألحان الخالدة التي نذكر منها أشهر دويتوهات السينما المصرية “يا سلام على حبي وحبك”.
وفي العام 1959قدّم فريد مع الفنانة ماجدة فيلم “من أجل حبي” من إخراج كمال الشيخ، والذي قدم فيه أغنية “حكاية غرامي”.
في بيروت
في العام 1965نقل فريد والدته السيدة علياء المنذر إلى بيروت بناء على رغبتها لأنها كانت تعاني من إضطربات صحية متكررة في ذلك الوقت. وقد فكر هو نفسه فى أن يقيم فى بيروت خاصة لأنه كان يعاني على حد قوله من إضطهاداً فنياً من جانب الإذاعة المصرية، حيث بدأ بالفعل في تجهيز فيلا له هناك.
وصودف أنه في العام 1965 فازت اللبنانية جورجينا رزق بلقب ملكة جمال العالم، فوضع لحناً لأغنية بإسمها، ولكن الإذاعة اللبنانية رفضت إذاعتها لأنه لم يكن مصرحاًَ بالغناء بأسماء شخصيات عامة، فغيّر كلمات الأغنية، فبعد أن كانت “جورجينا جورجينا حبيناكي حبينا” “لتصبح بعد التعديل “حبينا حبينا حبيناكي حبينا”.
فريد وعبد الحليم
في العام 1967قدم فريد الأطرش للمطرب عبد الحليم حافظ لحنين ليغنيهما “يا ويلي من حبه يا ويلي” و”زمان يا حب” وقد بدأ الإثنان في العمل على هذا التعاون ولكن “أولاد الحلال” أوقعا بينهما ولذلك لم يظهر هذا التعاون إلى النور.
وفي العام 1968 توفيت والدة فريد فى لبنان، فتأثر تأثراً كبيراً وعاد الحزن ليكون محور حياته، ولم يقدم بسبب الألم شيئاً لمدة عامين.
وفاة فريد
وفي العام 1974 في يوم 26 ديسمبر/كانون الأول توفي فريد الأطرش فى مستشفى في لبنان، وكان قد أوصى أخيه بأن يُدفن فى مصر بجانب جثمان أخته وتؤام روحه أسمهان، وكان له ما أراد.