في منزل في الشويفات كنز لا يُقدّر بثمن. كنزٌ في إحدى مناطق لبنان لا مثيل له في كلّ الشرق الأوسط. وهذا ما أكّده تعليق لسفير دولة تونس لدى زيارته لهذا المنزل، إذ قال: “إن كنزاً حقيقيًّا في هذا المكان”. فما قصّته؟
وليد خويص، الفنان والمؤرّخ الموسيقي، دفعه حبّه للفنّ والموسيقى إلى تحويل منزله إلى أكبر وأضخم مكتبة للموسيقى العربية في الشرق الأوسط. المحاسب، إبن بلدة بتاتر في جبل لبنان، وجد شغفه في الموسيقى فعكس ذلك في منزله وعائلته. فخويص جمع منذ عام 1986 تسجيلات فينيل خاصة بالجرامافون لنجوم الموسيقى العربية. وقد انطلقت الشرارة من حبّه للفنان الراحل فريد الأطرش، أحد أهم رموز الموسيقى العربية في القرن العشرين، حيث بدأت عملية تكوين مكتبة خويص الموسيقية منذ قررت عائلته جمع الأعمال الكاملة للأطرش. إلا أنّه بعد ذلك، لم تعد الأعمال تقتصر على أعمال فريد الأطرش بل راحت التسجيلات تنمو بشكل ملموس حتى باتت تغطّي الأرفف من الأرض حتى السقف في منزله.
قطع نادرة
وركز وليد خويص في البداية على جمع سلسلة الأعمال الكاملة في الاسطوانات القديمة لمطربين كبار من أمثال أم كلثوم واسمهان وفريد الأطرش قبل أن يقرر توسيع مجموعته لتضم موسيقى من شتى أصقاع العالم. وذلك بالإضافة إلى مجموعة كبيرة من القطع النادرة منها آلات للتصوير والعرض السينمائي القديمة مثل أجهزة الفونوغراف أو الجرامافون وأجهزة تلفزيون قديمة، وشريط من الصور النادرة. وتحتوي مجموعته أيضاً على نحو 20 ألف صورة بالأبيض والأسود من بيروت وفلسطين ومصر والأردن يعود تاريخها إلى عام 1914، إضافة إلى عدّة تحف وآلات ومراجع، جعلت من منزله مكتبة ومتحفًا ضخمًا يستقبل زواره بالمجان للاستمتاع بهذا الإرث الثقافي والفني.
أول مكتبة موسيقية
ودائماً ما كان خويص يُشير إلى أنّ هدفه هو جعل الموسيقى متاحة لجمهور أكبر. وقد صرّح خويص في مقابلة عبر “رويترز”، قائلاً: “عام 1986 بدأتُ بمكتبة الموسيقى العربية. أنشأنا أنا عائلتي أوّل مكتبة موسيقية في العالم العربي. كونها تحتوي على أسطوانات حجرية من عام 1905 حين بدأت شركة أوديون الفرنسية تطبع أسطوانات عربي. ولدينا أيضاً السلسلة الإنكليزية الكاملة لشركة أوديون الفرنسية”. وأضاف خويص في المقابلة آنذاك: “مكتبة الموسيقى العربية لم تكتمل بعد نقلنا على مكتبة الموسيقى الكلاسيكية العالمية. المكتبة الكلاسيكية العالمية فيها أسطوانات حجريّة بالصوت الأصلي (بالانكليزية) من عام 1860. وهي عبارة عن سلاسل (بالانكليزية) لباخ وبيتهوفن وتشايكوفسكي وموزارت وروسيني وهايدين. وقد تمكنّا من جمع كلّ هذه الكلاسيكيات من العالم. والسحر فيها أنّ النوتة الموسيقية موجودة بكل أسطوانة وموجود رسم باليد، إذ لم يكن هناك تصوير فوتوغرافي. وكانوا حينها يرسمون موزارت وبيتهوفن وتشايكوفسكي رسماً باليد على الأسطوانة”.
حصل خويص على الكثير من الجوائز من وزارة الثقافة اللبنانية لجهوده في الحفاظ على التراث الموسيقي العربي. منقّباً عن الفن الأصيل، جامعاً، مؤرشفاً، ومسافراً إلى أي مكان سعياً وراء “أيقونات” و”تحف” موسيقية، غادر المؤرخ الموسيقي وليد خويص، بشكل مفاجئ في 30 كانون الثاني 2022 عن عمر يناهز الـ 65 عاماً، تاركاً من بعده “منزل أحلام” عابقاً بالتاريخ.