ليس عاديًّا أن يُعرِّف عنك كلّ أهل البلد بأنّك “أخوت”. وليس أيّ “أخوت” إنّما أخوت عن قصد، وعن ذكاء، وعن حنكة وفنّ. “أخوت شانيه” ومن منّا لم يسمع عنه، ذلك المبدع الذي جسّد الواقع ونقله بتجرّده.
ولد نبيه أبو الحسن في عام 1934 في بلدة بتخنيه قضاء بعبدا – لبنان. ترعرع وسط عائلة مؤلفة من 9 اولاد، 4 ذكور و5 إناث، والده أحمد فارس ابو الحسن ووالدته شاهينة ابو الحسن. أحب الفن منذ الصغر وكانت أوّل اطلالة مدرسية له في مسرحية “شعلة من الصحراء”. وما لا تنوقّعه أنّ الفنان وإبن المسرح، بدأ حياته المهنية كأستاذ للرياضة في إحدى مدارس عاليه ثم في طرابلس.
قدّم على مسرح الضيعة بعض السكتشات بمشاركة فرقة هواة من أبناء القرية، ولم يخطط حينها للاحتراف فبين التدريس والعمل في أحد المصارف في بيروت لم يجد وقتاً لدخول الفن .
سافر إلى مصر وحصل على ديبلوم في التمثيل. شارك في عدّة مسلسلات أهمها مسلسل “أخوت شانيه” الذي لقي نجاحاً كبيراً، بحيث نقل شخصية الأخوت الى المسرح وجسّدها في عدة مسرحيات عكست اتجاهه الثوري والنقدي كـ”اخوت شانيه” ونابليون، اخوت بالعربي، اخوت دولي، الاميرة والاخوت، عرس الاخوت، اخوت حتى الحرية وغيرها..
شكل نبيه ابو الحسن في عصره عاصفة فنيّة واجتماعية وسياسية غير مسبوقة، لا يزال وقع كلماتها ينطبق على يومنا هذا. وقد كان انساناً شهماً ارتبط اسمه بالفقراء والضعفاء ممّا جعل منه المدافع الأول عن العدالة ضد الظلم وعن الحرية ضد القهر بأدوار رائعة لا مثيل لها. فعل نبيه ابو الحسن ما أراده في حياته، فقد كان مبدعاً لا يشبع، ساخراً لا يكف عن العطاء، لديه شجاعة لم تألفها المجتمعات المزيفة.
وفي أحد اللقاءات مع نبيه أبو الحسن، قال: (أخوت شانيه شخصيّة متصادمة مع العالم. مرّة يكون عصبيًّا ومرّة إنطوائيًّا. أمّا القبضاي فهو دور صعب يحكي عن مفهوم البطولة في هذا العالم المُتخلّف، بينما في جحا فكان يهمّني الإنسان الذي يعرف كيف يتخلّص من مشاكل الحياة بذكاء ودهاء”. وعن نبيه أبو الحسن الإنسان وحياته كان يقول: “نحن 9 أشخاص في ظلّ أب وأم كنّا قانعين بالحياة الطيّبة التي نعيشها في بلدة (بتخنيه) وكان للأسرة نصيبها في المزارع والحقول وكنت أتحمّل شقاوة أخوتي وأتبنّى أيّ موقف أو حادث ما دامت المسألة لا تجرح كرامتي. كنتُ في الخامسة من عمري عندما صرت أرافق أمّي إلى الحقول وكنّا نغنّي طوال الطريق وفي ظلّ ذلك المناخ والطبيعة والوديان والجبال كان الجمال يتفاعل بداخلي وحملني لعالم الفنّ. نزلت إلى بيروت وكنت حينها في السابعة عشرة من عمري وكان سلاحي شهادة السرتيفيكا، وواصلت تعليمي ليلاً والعمل نهاراً وتعلّمت الموسيقى في الكونسرفتوار، وكنت توّاقاً للغناء والتلحين، ثم عملت في الصحافة ثم تلقّيت منحة لأكمال علومي في النقطة الرابعة قسم الصحّة، فأخترت تعلم الأنكليزيّة، لكنّ الفن كان يتفاعل بداخلي فقدّمت إسكتشات وعزفت على العود”.
نال عدة أوسمة وجوائز تقديرية من رؤساء جمهوريّة ووزراء وهيئات محلّيّة وعربيّة، حتى أصبح من ألمع نجوم المسرح اللبناني، ولا يزال يُكرّم حتى يومنا هذا. فقد استذكره وزير الثقافة في حكومة تصريف الأعمال محمد المرتضى في حديث له قائلاً: “نبيه ابو الحسن تقمص شخصية “الاخوت” ونجح في ايصال صوت العقل الى رواد مسرحه بعد ان كانوا قد يأسوا من النظريات والطروحات”.
آخر أعماله كانت مسرحيّة (أخوت حتّى السلام) عام 1993. وبعد إنتهاء البروفات في المسرح، وقبل أسبوع من تقديم المسرحيّة، وفي طريق العودة للمنزل، توفّي نبيه ابو الحسن بحادث سير، قيل انّه كان مدبّراً كثمن لمواقفه الجريئة ونظرته السياسيّة المباشرة تجاه لبنان وسيادته. هكذا قضى أبو الحسن شهيد الكلمة والفن الصادم الذي يحاكي وجع الشعب فخسر المسرح اللبنانيّ أحد أهمّ رموزه وخسرت العائلة إبنها الظاهرة الذي لن يتكرّر. وقد كُرّم بوسام رئيس الجمهوريّة بوسام الأرز من رتبة فارس وسط حزن رسميّ وشعبيّ.
وبعد وفاته، قدّم شقيقه المهندس محمود أبو الحسن المسرحيّة بدلاً عنه، ليتحوّل نبيه، أخوت شانيه، لتمثال في بلدته بتخنيه!