على كتف ذلك السفح الساحلي في غرب عاليه اتكأت يوما الامارة التنوخية، التي ما كانت الا مركز إشعاع علمي وفكري ومركز قوة سياسي واجتماعي، لا سيما في عهد الامير السيد عبدالله التنوخي الذي حقق نقلة نوعية في تاريخ طائفة الموحدين الدروز، فكان أول المجددين والمواكبين لعصره مقدما لابناء جيله وللاجيال المستقبلية ارثا علميا كبيرا كان له الفضل الكبير بتجاوز المحطات الصعبة التي مرّ بها الدروز في تاريخهم الحديث.
نهل الامير السيد كثيراً من القرآن الكريم ومن مصادر العلم في عصره، داعيا الى طلب العلم لا بل كانت اوامره واضحة وملزمة في الحث على طلب العلم ونشره عملا بالحديث الشريف: “ان طلب العلم فريضة على كل مسلم”، فطلب العلم وتحصيله لطالما كان شأن كبار المصلحين واصحاب الهمم العالية من ابناء هذه الطائفة النورانية على مدى الحقب الزمنية المتلاحقة امثال السيد الامير والشيخ الفاضل والشيخ الكفرقوقي وسواهم.
وكان الامير السيد يخصّص يوماً في الأسبوع للطلاب، فكان يعطيهم الدروس ليعودوا هم بدورهم ويقومون بالتعليم الديني في مختلف المناطق، على خطى الانبياء والرسل، الذين ما بخلوا بنقل علمهم وحكمتهم الى تلاميذهم الذين كانوا اوفياء لاحقا بنقل ارثهم الى العالم.
وهكذا فعل تلاميذ الامير السيد، ومن هنا ولدت فكرة انشاء كلية الامير السيد عبدالله التنوخي للعلوم التوحيدية في عبيه، الذي وافق على انشائه مجلس الوزراء اللبناني يوم الاربعاء في 16 ايار 2018، ليكون كلية جامعية خاصة مرخصة من قبل وزارة التربية والتعليم العالي وتتبع مشيخة عقل طائفة الموحدين الدروز، وذلك بمتابعة ودعم من شيخ العقل نعيم حسن ورئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط الذي قدم مساعدة كبيرة لاستكمال بناء المعهد وتجهيزه بعدما كان قد قدّم الشيخ فريد صعب مساعدة كريمة كما تكفّلت لجنة الاوقاف في المجلس المذهبي ببناء الطابق الارضي واستكمال اعمال الترميم والتجهيز.
رئيس اللجنة الدينية في المجلس المذهبي الشيخ هادي العريضي عن هذه الخطوة، مشيرا الى ان “مبنى الكلية مشيّد على وقف السيد الأمير الذي أوصى أن يصرف مال الوقف على التعليم الديني، وقد أطلقنا على الكلية اسم “كلية الأمير السيد عبدالله التنوخي الجامعي للعلوم التوحيدية” تباركاً بإسمه وتخليدا لهذه الشخصية العظيمة”، كاشفا انه انطلاقا من وصية الامير السيد فان التعليم في الكلية مجاني.
ويشرح العريضي اهداف الكلية التي يراد لها ان تكون مركزا دينيا رائدا وان تؤدي غايتها بفهم التوحيد عقيدة وشريعة ومنهاجا شاملا، والاسهام في بناء الشخصية التوحيدية المتزنة وتكريس القيم الاخلاقية فيها.
هذا بالاضافة الى إعداد الكوادر العلمية والشخصيات الدينية القادرة على التصدي للتحديات الفكرية المعاصرة وتنمية حسّ المسؤولية الملقاة على عاتق الموحد الاسرة والمجتمع وتربية وتأهيل الطالب كي يصبح مدرسا في مجال تعليم المعارف والتربية التوحيدية في المعاهد الدينية والمدارس العصرية.
ويخضع المنهاج الدراسي المعتمد للتقييم المستمر، ويتّصف بالسمات التالية:
-الانطلاق من الاهداف الواضحة والمرسومة بعناية ودقة، وتسخير المنهاج لتأمين الاهداف.
-التركيز على تنمية قدرات الطالب وحثّه على التعلّم الذاتي، وتأهيله للاستفادة القصوى من الامكانات والموارد المتوفرة بتدريبه على الاستفادة من تقنيات التعلّم المختلفة.