لم يكن إسم سليمان الباشا كغيره في عالم التمثيل. الممثل القدير الذي أبدع وأتقن كلّ الأدوار التي أُسندت إليه ترك بصمة مختلفة في قلوب المشاهدين وعقولهم. أدّى أدواره بكلّ انسيابية وتقمّص الشخصيّات حتى نسي الناس أنّه يلعب دوراً في مسلسل. كما ترك علامة فارقة في حياة كلّ فنّان من بعده..
كانت بدايات إبن الجبل مع حبّ الفن عندما فتح والده خطّار متجراً قرب مسرح مدرسة “رأس بيروت العلْوي”. وفي العشرينات من عمره، دُعي سليمان الباشا الى عرض مسرحي لعبدالحفيظ محمصاني في بحمدون. وبعد مشاهدته، راح يتردّد على فرقة محمصاني خلال فتراتها التدريبية في ساحة البرج في وسط بيروت. وأصرّ على امتهان التمثيل، وبعد موافقة الأهل، التحق بفرقة محمصاني “من دون أجر”.
ابن الجبل
ولد سليمان الباشا في قرية دميت الشوفية في جبل لبنان عام 1926. كانت بدايات إبن الجبل مع حبّ الفن عندما فتح والده خطّار متجراً قرب مسرح مدرسة “رأس بيروت العلْوي”. وفي العشرينات من عمره، دُعي سليمان الباشا الى عرض مسرحي لعبدالحفيظ محمصاني في بحمدون. وبعد مشاهدته، راح يتردّد على فرقة محمصاني خلال فتراتها التدريبية في ساحة البرج في وسط بيروت. لكن أحوال والده أجبرته على الالتحاق بمتجر والده خطّار في بيروت، إلا أنّ العمل لم يثنه عن متابعة تحصيله العلمي في بعض المدارس الليلية المجانية في رأس بيروت. وبعد سنوات، بدأ بالتردّد إلى فرقة محمصاني التي كانت تجري تدريباتها في ساحة البرج. وبعد عدّة محاولات، وتدخّل والدته، وتلويحه بالذهاب إلى مصر لدراسة التمثيل، وافق والده على ممارسته الفنّ، شرط أن يذهب إلى المسرح بعد العمل.
إلتحق سليمان الباشا بفرقة محمصاني، من دون أجر، وهناك تعرّف إلى موسى خاشو، وإلى وجوه أخرى لعبت لاحقاً دوراً بارزاً على الساحة الفنية في لبنان. وبعد أشهر قليلة من انضمامه إلى الفرقة، مثّل الباشا في مسرحيّة “فيرجيني” المأخوذة عن رواية “بول وفيرجيني” للأديب الفرنسي برناردين دو سان بيار، وقدّمت في حينه في مناسبة عيد الاستقلال.
وبعد ثلاث سنوات على تأسيس “تلفزيون لبنان”، إتّصلت به زميلته السابقة في فرقة محمصاني نزهة يونس، وطلبت منه تأدية دور الأب في مسلسل “تحت السنديانة” للكاتب جورج طويل، وشارك فيه إلى جانب نزهة، وشقيقتها هيام، إحسان صادق، وإيلي صنيفر، وغيرهم. وكانت حلقات العمل تبثّ على الهواء مباشرةً. في هذا الوقت، كان إحسان صادق قد بدأ ببث برنامجه “صندوق الفرجة” الذي بقيت حلقاته تبث مباشرة على الهواء لأربع سنوات، وسرعان ما التحق الباشا بهذا العمل، وأدّى أدواراً لافتة فيه.
الرجل المثالي
من مسلسل “حكمت المحكمة” (1963) للياس متى، إلى “كانت أيام” (1964) لباسم نصر، لمع نجمه تدريجياً، وخصوصاً في أدوار الأب المتشدّد، أو الرجل الجبلي المثالي المتمسك بالعادات والتقاليد. وترسّخ حضوره في ذاكرة التلفزيون من خلال مشاركته اللافتة في مسلسل “أبو ملحم” لأديب حداد وزوجته سلوى (أم ملحم)، الذي ظلّ يعرض بنحو متقطّع بين عامي 1967 و1976. إلا أنّ حنينه الدائم إلى بداياته المسرحيّة كما قال في إحدى مقابلاته، دفع الباشا إلى تلبية نداء رائد المسرح الجوّال جلال خوري، ومرافقته في الكثير من أعماله منها “جحا في القرى الأمامية” (1972) و”القبضاي” (1973)، و”الرفيق سجعان” (1974).
كما وقف على الخشبة إلى جانب نضال الأشقر، وأنطوان كرباج، وليلى كرم، في مسرحية أخرجها برج فازليان، ووضع فيها الموسيقى زياد الرحباني عن نصّ التركي خلدون ثائر بعنوان “أبو علي الأسمراني” (1974). وشارك في فيلم “القناص” (1980) للمخرج العراقي فيصل الياسري، وفيلم “شبح الماضي” (1985) لجورج فياض.
كما ألّف نصوصاً مسرحية وأخرجها وقدّمها في المناطق اللبنانية، منها “الموظف الكبير”، و”مصيبتي ابني”، و”استشهد غصب عنو”.
النضال النقابي
عام 1951، انتسب إلى “الحزب التقدمي الاشتراكي”، وركّز عمله الحزبي على الاهتمامات النقابيّة، ما أهّله ليُصبح مسؤول النقابات داخل الحزب. انحياز سليمان الباشا الدائم إلى حقوق زملائه الفنانين، وحلحلة مشاكلهم الوظيفية والإداري جعله من الساعين إلى ولادة نقابة تحضنهم. فساهم في تأسيس نقابة الفنانين وفي تنظيم أمورها. وتمكن مع عدد من زملائه من تأسيس “صندوق التعاضد” للفنانين المنتسبين إليها عام 1999، وكان برئاسة إحسان صادق، فيما تولّى سليمان الباشا مسؤولية نائب الرئيس. ورغم تقاعده عن التمثيل منذ عام 2007 بعد مروره في مسلسل “شيء من القوة” لإيلي معلوف، إلا أنّه كان يداوم كلّ ثلاثاء في نقابة الفنانين في سنّ الفيل لمتابعة أمور نقابية وصحية.
وتوفي الممثل اللبناني سليمان الباشا مساء الجمعة في 6 كانون الأوّل من عام 2017 عن عمر ناهز 91 عاماً، وفي رصيده الكثير من الأعمال والإنجازات التي ستبقى تُذكر بعده.