خاص “كيان 24”
في الجانب المضيء من حياة المطربة والممثلة السورية والعربية “أسمهان” سطوع نجمة تألقت بزمن قياسي، فشغلت الوسط الفني والبيئة التي احتضنتها، إذ خطت خطوات واثقة نحو النجومية، في مرحلة كان يطغى عليها عمالقة فن عظماء من مطربين وملحنين وقامات فنية كبيرة.
وفي الجانب المعتم من مسيرة الراحلة أسمهان الفنية والاجتماعية، لغز كبير يستبطن أسرار موتها في ترعة ماء، وهي في طريقها إلى الساحل لتمضية فترة نقاهة وراحة أثناء تصويرها فيلم “غرام وانتقام”. فأي غرام هذا الذي قطف حياة فتاة بعمر الورد؟ وأي انتقام أودى بحياتها قبل أن تكمل دور البطولة، ودورة ماء الحياة، في لحظة فنيّة شديدة الارتباط بما يجري من أحداث تاريخية واجتماعية قبل منتصف أربعينيات القرن الماضي، في عز تأجج الصراع الانكليزي – الديغولي، وفي لحظة احتدام المشاكل الاجتماعية والأسرية وتقاطع المصالح على إنهاء مسيرة فنانة شغلت حيزا كبيرا على المستوى الفني غناء وطربا وتمثيلا، وعلى المستوى الاجتماعي وصالا وجمالا وسحرا وسهرا، أو ربما ابتلع الماء سرابه في تلك الترعة، بحسب ما قيل في سيرتها ونهاية مسيرتها؟! .
الصوت الملائكي
تعد آمال فهد الأطرش المعروفة باسم أسمهان فنيّا، قامة فنية إشكاليّة، قيل عنها الكثير ونسب إليها الكثير من أقاويل وحكايات وقصص، ورغم كل ما قيل وما قد يقال، يبقى لأسمهان بصمات فريدة على المستوى الغنائي وهي صاحبة صوت ملائكي وشجي وعذب، استحوذ على اهتمام كبار الملحنين والشعراء والفنانين، خصوصا أن صوتها وآداءها أعجبا كبير الملحنين في مصر داود حسني الذي اكتشف موهبتها الفذة اثناء زيارته شقيق أسمهان في منزله، الموسيقار الراحل فريد الأطرش، فأعجب بصوتها، فاحتضنها واطلق عليها لقب “اسمهان” تيمنا بمغنية كان يدربها لكنها توفيت قبل أن تكتسب شهرة فنية.
ولادة على متن باخرة
على متن باخرة كانت تمخر البحر لتعبر بعائلتها من تركيا الى بيروت، ولدت آمال الأطرش في العام 1912 لتنتقل الأسرة بعد ذلك وتستقر في سوريا إلى أن توفي والدها عام 1924. الأمر الذي دفع والدتها إلى مغادرة سوريا إبّان انطلاق الثوّرة السورية الكبرى حيث اصطحبت أولادها وذهبت لتستقر في مصر، أم الدنيا كما كان يقال عنها.
في تلك البلاد، ابتدأ مشوار اسمهان الفني إلى جانب شقيقها الموسيقار والفنان الكبير فريد الأطرش، الذي أمسك بمعصمها ولحّن لها اجمل أغنياتها،
منحت أسمهان الجنسية المصرية، وعند زواجها من ابن عمها حسن الأطرش فقدت تلك الجنسية، حيث انتقلت الى سوريا. في العام 1933، توقفت عن ممارسة الفن لما يقارب الست سنوات، بناء لشروط زوجها، وعلى أثر خلافات بينهما عادت الى مصر في العام 1939، لتستعيد تألقها الفني، وتدخل عالم التمثيل السينمائي، فمثّلت سنة 1941 باكورة أفلامها “انتصار الشباب” لتتقاسم البطولة الى جانب شقيقها فريد الأطرش وتشاركه أغاني الفيلم.
الشهرة في مصر
في مصر، غنت الى جانب مطربات شهيرات في ذلك الوقت أمثال السيدة أم كلثوم، السيدة نجاة، السيدة ليلى مراد وغيرهن.
أخذت الفنانة أسمهان تشارك أخاها فريد الأطرش في الغناء وفي صالة ماري منصور في شارع عماد الدين، شاركت اسمهان أخاها فريد في الغناء وإحياء الحفلات، وكان سبق ذلك تجربة غنائية ناجحة إلى جانب والدتها في حفلات الأفراح والمناسبات وفي الإذاعة المحلية، حيث سطع نجمها في فضاء الأغنية العربية وأغاني الحب والرومانسية.
ويُحكى أن محمد عبد الوهاب قال في أسمهان، حينما كانت في السادسة عشرة من عمرها: “إن أسمهان فتاة صغيرة لكن صوتها صوت امرأة ناضجة”.
وكان سبق لها أن شاركت بصوتها في بعض الأفلام كفيلم يوم سعيد، حيث شاركت محمد عبد الوهاب الغناء في أوبريت “مجنون ليلى”، كما سجّلت أغنية “محلاها عيشة الفلاح” في الفيلم ذاته، علما ان الاغنية، من أَلحان الفنان محمد عبد الوهاب الذي سجّلها بصوته في ما بعد، كما سجّلت أغنية “ليت للبراق عيناً “في فيلم ليلى بنت الصحراء.
تعاملت الفنانة أسمهان مع مجموعة ملحنين، رافضة فكرة حصر التلحين بملحن واحد، فأبدعت في آداء ألحان خالدة لشقيقها فريد الأطرش، فغنَّت من ألحانه أشهر أغنيتين لها وهما “ليالي الأنس في فيينا” و”أنا أهوى” من فيلم “غرام وانتقام” كما غنَّت لرياض السنباطي “يا لعينيك” وأقرطبة الغراء” و”الدنيا”. وأغنيتها من فيلم غرام وانتقام “أيها النائم”.
وتألقت في اغنيات من ألحان محمد القصبجي، وهي: “يا طيور” و”اسقنيها” و “كلمة يا نور العين” و “فرق ما بينا الزمان” و “كنت الأماني” و”هل تيم البان”، وأغنيتين من فيلم غرام وانتقام هما “امتى هتعرف” و “أنا اللي استاهل”.
وخلال تصوير فيلم انتصار الشباب عام 1941 تعرّفت إلى المخرج أحمد بدرخان عندما كانت تصور فيلم “انتصار الشباب” في العام 1941، ثم تزوجته عرفياً، وسرعان ما انهار زواجهما وانتهى بالطلاق دون أن تتمكّن مجددا من نيل الجنسية المصرية التي فقدتها حين تزوجت الأمير حسن الأطرش. وتزوجت “أحمد السالم” الذي عانت من مشاكل في زواجها معه. ويقال ان خلافا كبيرا وقع بينهما قبل وفاتها حتى ان ثمة تخمينات كثيرة ترجح مسؤوليتهم عن موتها.
نهاية مأساوية
وكأن إصبع القدر كانت ترسم لها نهاية مبكرة ومأسوية في فيلمها الثاني والأخير “غرام وانتقام” في سنة “1944” إلى جانب يوسف وهبي وأَنور وجدي ومحمود المليجي وبشارة واكيم، وشاءت الأقدار ان تسجل فيه مجموعة من أجمل أغنياتها.
ففي عمر الـ32 عاما وفي ذروة شهرتها وتميزها وفي قمة عطائها في مصر قتلت الفنانة اسمهان بحادث سيارة غامض مع صديقتها بعد سقوط سيارتها في ترعة ماء ونجاة السائق واختفائه عن الأنظار حيث بقيت أصابع الاتّهام موجهة الى اكثر من جهة والنظريات عن سبب الحادث كثيرة. ولكن بقيت أصابع الاتهام موجهة نحو العديد من الجهات.
في العام 1941 يحكى ان اسمهان تعاملت مع الاستخبارات البريطانية، حيث كان لها الدور الاساسي في اقناع زعماء جبل العرب بعدم التعرّض للجيوش البريطانية والفرنسية الديغولية. والهدف تحرير سوريا وفلسطين ولبنان من قوّات فيشي الفرنسية حينها كانت حكومة فرنسا مجرد دمية بيد النازيين الذين احتلوا فرنسا.
وفي حين انتهت حياتها في سن مبكر حيث كانت مسيرتها الفنية قصيرة جدا، الا انها لا تزال حتى اليوم فنانة من أبرز الوجوه الكلاسيكية للفن العربي مطلع القرن العشرين.