كتبت مجلة “العمامة” الصادرة في فلسطين عن الشيخ أي يوسف أمين طريف:
الرّئاسة الرّوحيّة هي امتداد لفكرة الإمامة الرّوحيّة، والّتي تعني إيجاد سلطة دينيّة واعية، قادرة على تقويم كلّ اعوجاج، متّبعة سبيل العقل والحكمة من أجل رعاية المصالح الشّرعيّة، الرّوحيّة، الدّينيّة والاجتماعيّة لأبناء الطّائفة، وتمثيلهم في المحافل والمناسبات الرّسميّة وأمام أصحاب المناصب والمسؤولين.
من يقرأ في تاريخ الطّائفة وامتدادها التّاريخيّ العقائديّ، يفهم أنّ الطّائفة لم تخلُ منذ بداياتها من زعامةٍ دينيّة روحيّة، كانت على مرّ العصور نقطة البيكار الّتي تجمّع الدّروز حولها، واستحكموا برأيها في تدبير كلّ شؤون الحياة.
وقد منّ الله تعالى على الطّائفة الدّرزيّة في بلادنا، بأن أودع شؤونها بين يديّ شخصيّة مثل سيّدنا الشّيخ أمين، الّذي برز بفطنته وحكمته، وساد بتقواه وزهده، مطبّقًا شروحات السّيّد الأمير قدّس الله سرّه بحذافيرها، محاسبًا نفسه في صغائر الأمور، وصارفًا جلّ طاقاته وأملاكه في خدمة الطّائفة وأبنائها طمعًا في رضى الله تعالى، وذلك من خلال تبوّئه منصبَي الرّئيس الرّوحيّ للطّائفة الدّرزية، ورئيس محكمة الاستئناف الدّينيّة المذهبيّة.
في عام 1928 وفي أعقاب وفاة والد سيّدنا الشّيخ، الرّئيس الرّوحيّ آنذاك المرحوم الشّيخ طريف محمّد طريف، الّذي حمل أعباء الزّعامة الدّينيّة والدّنيويّة للطائفة أكثر من أربعين عامًا، بدأت المداولات والمشاورات بين مشايخ الطّائفة ووجائها، بحثًا عن خلفٍ يقوم مقام المرحوم. وقد أجمع الجميع دون تردّد على اختيار سيّدنا الشّيخ أمين قائدًا، راعيًا ومرشدًا رئيساً لهذه الطّائفة الكريمة من بعد أبيه. ذلك، على الرّغم من كونه أصغر إخوته، واختياره لطريق الزّهد والتّقوى بعيدًا عن المسؤوليّات والأضواء.
لم يخلُ طريق هذا الوليّ الكريم من عقبات ومشقّات، إذ حاول بعض المغرضين دبّ الخلاف وسوء التفاهم بين أفراد عائلة طريف، محاولين زعزعة قرارهم بتوكيل الرّئاسة إلى سيّدنا الشّيخ، ولكنّ هذه القلّة اصطدمت برجال أوفياء عرفوا قيمة سيّدنا الشّيخ وأعلنوا بأنّهم لا يقبلون لأنفسهم بديلًا لفضيلة سيّدنا الشّيخ أمين.
بعد أن اتّخذ القرار بالإجماع، تمّ تبليغ سيادته بهذا التّكليف من قبل وجهاء عائلة طريف، فرفضه سيّدنا الشّيخ أشدّ الرّفض لأكثر من مرّة، معلّلًا رفضه القاطع بنيّته في العزوف عن الدّنيا، ورغبته في تكريس نفسه وماله وعمله لخدمة أهل الدّين والعبادة، مقتديًا بسلك المرحوم سيّدنا الشّيخ علي الفارس رضي الله عنه. على الرّغم من هذا الرّفض، استمرّت المحاولات والضّغوطات على سيادته من أجل قبول التّكليف، حتّى أثمرت بعد جهدٍ طويل تمّ من خلاله إقناع سيادته على الموافقة وقبول المنصب، وذلك في تاريخ 21 آذار من عام 1928.
وقد وضع سيادته قبل القبول شرطًا، بإعفائه من مهمّة المأذونيّة ومعالجة الأحوال الشّخصيّة للطّائفة الدّرزيّة، معلّلاً ذلك بنيّته في تكريس سنوات خدمته للطّائفة في الخدمات الدّينيّة البحتة، وإرشاد أبناء الطّائفة وتعريفهم على الحلال والحرام، وتطبيق شروحات سيّدنا الأمير قدّس الله سرّة بشكلٍ حرفيّ.
بناءً على ذلك، وضع سيادته برنامجًا إرشاديًّا قياديًّا سعى من خلاله إلى تثبيت مكانة الطّائفة في البلاد. في مطلع هذا البرنامج، قام سيادته برفقة كوكبة من أعلام الدين في البلاد آنذاك بجولات ضمّت جميع القرى الدّرزيّة، هدفوا من خلالها إلى اتّباع الوعظ والإرشاد وتنشيط حركة الدّين بين أبناء الطّائفة في القرى المختلفة، حتّى أُطلق عليهم آنذاك اسم “أسطول الحق” أو “فريق الهدى”، وذلك لكون جميعهم من حافظي كتاب الله ومن تلاميذ البيّاضة الشّريفة. وقد صارت مع الوقت هذه الجولات عادةً ونهجًا سنويًّا، حيث كان أبناء الطّائفة ينتظرون قدوم سيادته معتبرين زيارته يومَ عيدٍ، موكلين إلى وفده حلّ جميع المشاكل الّتي كانت تواجه الأفراد أو الطّائفة ككلّ في جميع مناحي الحياة.
لم يخرج سيادته يومًا عن تعليمات السّيّد الأمير الّتي تربّى عليها في البيّاضة الشّريفة، إذ وضع خطّة قيادته بما يلائم شروحات السّيّد وتعاليمه، عاملًا على تحقيق تغييرات كثيرةٍ متفاوتة في الحياة الدّينيّة والاجتماعيّة، مقوّمًا مناهج العبادة والصّلاة، ومقوّمة أنواعًا منكرةً من السّلوك الّذي كان سائدًا في تلك الفترة، جرّاء تفشّي الجهل وانعدام أغلبيّة النّاس للقدرة على القراءة والكتابة، والاطّلاع على كتب الدّين والشّروحات والتّراث.
وقد كانت الثّمرة الأولى لمجهود سيادته هي قراره الجريء في منع الأفراح والمخالفات في الأعراس، الّتي انقطعت بشكلٍ كلّيّ بعد تسلّمه الرّئاسة الرّوحيّة. ذلك بعد أن عبّر سيادته عن امتعاضه منها في أكثر من مجلس ومناسبة قائلًا أنّها “تهزّ بدنه”، وذلك لما لاحظ فيها من اختلاط محرّم بين النّساء والّرجال، وغيرها من المنكرات الّتي كانت سائدةً وقتها. بناءً على ذلك، فصل سيادته بين ما أسماه بعرس الفرح المحرّم الّذي يعاقب مشاركوه بالحرمان الدّينيّ الشّرعي، وبين “التأهيل” الّذي مُنع فيه الرّقص والغناء ومظاهر الزّيف، وبورك من قبل سيادته ومن قبل مشايخ البلاد.
وقد سُئل سيادته يومًا من قبل بعض الأشخاص عن سبب تحريمه للفرح والموسيقى، على الرّغم ممّا هو متوارث عن قدوم الأنبياء يوم القيامة وسط أصوات الموسيقا والطّبول، فكان جوابه رضي الله عنه: “لا يحلّ للبشر ما يحلّ للأنبياء، فقدموهم سلام الله عليهم بمواكب تعلوها الموسيقا يكون بإذن من الله تعالى عزّ وجلّ، وهذا الإذن لم يعطَ لنا. وهل نحن في درجة الأنبياء كي نطلب نفس حقوقهم؟”.
هكذا كان سيادته يقابل من أراد مناقشته أو حتّى معارضته، حيث اعتاد أن يناقشهم بالصّبر والحلم، عارضًا عليهم البراهين والإقناعات ما يذهلهم ويقنعهم بصواب رأيه وحكمته.
طوال سنواتٍ طويلة عديدة خلال فترة الانتداب البريطانيّ، لم تتوقّف مهمّة الإرشاد الّتي تبنّاها سيادته برفقة الشّيوخ الأعيان، حيث جاوبوا البلاد وزاروا العباد، مكتفين بالقليل والرّخيص من اللّباس والطّعام. رفضوا الولائم وحرّموا على أنفسهم أكلها، ممتنعين عن كلّ مظاهر التّكليف والدّنيويّة، عملًا بنهج الأنبياء الأصفياء والزّهّاد الواصلين.
مع اقتراب نهاية عهد الانتداب البريطانيّ، قرّر أعضاء الوفد المبارك توسيع وترميم دار سيادته، منجزين هذا العمل الشّاق بأيديهم، حيث قاموا ببناء مضافة واسعة، إلى جانب غرفتين وأدراجٍ ممتدّة نحو السّطح. وقد قابل سيّدنا الشّيخ هذه المبادرة بقلبٍ محزون، معتقدًا في نفسه أنّه يحمّل إخوانه من رجال الدّين ما يفوق طاقتهم، على الرّغم من إيضاحهم له في كلّ مناسبة أنّهم لا ينبون هذا البيت من أجله فقط، وإنّما من أجل الطّائفة الدّرزيّة وأبنائها، الّذين لا زالوا يزورون هذا البيت العامر طيلة أيّام السّنة، حتّى يومنا هذا.
ولـمّا كانت الامتحانات والمصائب نعمًا للقريبين من الله، فقد واجه سيادته في مطلع طريقه عداوات ومحنًا كثيرة، كان أقساها محاولات عزله عن منصبه الرّوحيّ في بداية تولّيه له. وقد برز من بين المساندين لسيادته، والواقفين إلى جانبه بالمساعدة والدّفاع والنّصرة، سيّدنا الشّيخ المرحوم أبو حسين فندي شجاع، الّذي وقف في وجه ما حاول المغرضين إيصاله إلى آذان مشايخ البيّاضة، من إشاعات مغرضة وباطلة أُطلقت لتشويه سمعة سيادته.
في هذا الباب، تذكر القصّة أنّ رسولًا واشيًا من أهل الدّين، نجح في الوصول إلى شيوخ البيّاضة ناقلًا لهم أحاديث الزّور، وإقناعهم بتصديق ما جاء به من أكاذيب، حتّى قام بعضُ مشايخ البيّاضة بكتابة رسالة ضدّ سيّدنا الشّيخ أمين، وسط حضور المرحوم سيّدنا الشّيخ أبي حسين محمود فرج الذي لم يطمئنّ للأخبار المنقولة، ولكنّه آثر الصّمت والتّأنّي كما جرت عادته في الصّدق وحُسن المعاملة. ولكنه من أدبه في هذه الأثناء، قام أحد الأتقياء إلى خلوة المرحوم الشّيخ حسين فندي شجاع، وأخبره بالرّسالة الّتي بدأ الشّيوخ بتدوينها من أجل إلقاء الحرم على سيّدنا الشّيخ أمين وعزله من منصبه، انتفض المرحوم الشّيخ حسين وركض مسرعًا إلى مكان الاجتماع، واضعًا يديه الكريمتين على الباب ومعاتبًا إيّاهم بقوله: “حضرتك يا شيخ، تريد أن تكسر كرامة الطّائفة من الدّالية إلى حرفيش إكرامًا لخاطر (اسم الواشي) الأفندي. هذا بصرش، بصرش، بصرش!” (أي لا يليق). بعد ذلك، مضى الشّيخ حسين إلى غرفة ابنه الشّيخ المرحوم أبي فندي جمال الدّين شجاع، موكلًا إليه مهمّة كتابة منشور يليق بدعم المرحوم سيّدنا الشيخ أمين. فما كان من الشّيخ أبو فندي إلّا أنّه كتب الرّسالة بخطّه الجميل الوقور، ليتراجع بعدها مشايخ البيّاضة الآخرون ويضعوا توقيعاتهم إلى جانب توقيع الشّيخ حسين شجاع، معترفين بوقوعهم في فخّ الحيلة الّتي جاء بها الرّسول. في أعقاب ذلك وبتوفيق من الله تعالى ونصرته للحقّ والعدل، وصلت الرّسالة إلى بلادنا حاملةً لتوقيع أسياد الطّائفة في سوريا ولبنان، منهيةً بذلك معارضة المغرضين الّذين ترصّدوا لسيّدنا الشّيخ أمين، ووقفوا بحسدهم ضدّ شخصه الكريم، على الرّغم أنّه كان رضي الله عنهم يقابلهم طوال حياته بكلّ ثبات وإيمان، وصبر واحتساب لوجه الله، وهو ما زاد اليقين بطيب عنصره الطّاهر، وقربه من الله الّذي لا يبتلي من عباده إلّا الصّالحين المتّقين، ليزيدهم إليه قربًا، وبين النّاس ارتقاءً وعلوًّا..
علاقته بالدروز حول العالم
لم تكن الحدود يومًا لتمنع سيّدنا الشّيخ من متابعة أخبار أبناء الطّائفة أينما كانوا في العالم، فقد كان رحمه الله يستغلّ كلّ مناسبةٍ ولقاء ليسأل عن أحوالهم وأخبارهم، ويطمئنّ على مصالحهم وراحتهم. وقد ربطت فضيلته علاقات ودّيّة عميقة مع إخوانه من دروز سوريا ولبنان، الّذين سكنوا قلبه منذ أيّام مكوثه في خلوات البيّاضة الشّريفة، وبنى معهم أواصر قربٍ وأخوّة شديدة.
وقد برزت هذه المحبّة من خلال زيارات كثيرةٍ طويلة، كرّرها فضيلته إلى الأهل في لبنان، ظلّ فيها شغوفًا بمقابلة الشّيوخ الأسياد، معترفًا بفضل لبنان في تمكين أمر الدّين والرّعاية. كذلك، فقد اجتمع فضيلته مرّات عديدةٍ مع المرحومة السّتّ نظيره جنبلاط الّتي كانت عونًا وسندًا لفضيلته، ورأى فيها فضيلته صاحبة رأي حكيم وفطنة تستحقّ عليها التّقدير.
أمّا عن علاقته مع دروز سوريا، فهي تعود إلى المرحلة الأولى لتولّيه رئاسة الطّائفة في فلسطين آنذاك، حيث اعتاد فضيلته على استشارة إخوانه في جبل الدّروز، عارضًا لهم التّحدّيات، وطالبًا منهم النّصح والمشورة في حلّ الأزمات. ولعلّ أحد أبرز هذه العلاقات، تمثّلت بإرسال الإخوة في جبل الدّروز لوفدٍ رفيع المستوى، قدم إلى البلاد عام 1940 برئاسة المرحوم الشّيخ عبد الغفّار باشا، زيد بيك الأطرش وحمزة بك الدرويش، وذلك لتسوية المشاكل وإحلال الصّلح في قرية شفا عمرو في أعقاب مقتل المرحوم الشّيخ أبي صالح حسن خنيفس. وقد أيّد الله مسعاهم وأخذ بيدهم ورفرف السّلام ببركة نواياهم فوق قرية شفا عمرو، ليحلّ الوفد بعدها في جولس ممتثلةً لدعوةٍ أطلقها سيّدنا الشّيخ لتناول طعام الغداء على مائدة بيته.
ولأنَّ جزاء الإحسانِ إحسانٌ، فقد كان أيضًا لسيادته يدٌ بيضاء ناصعة في حلّ المشاكل الّتي شهدها جبل الدّروز، بعدما نجح المغرضون أصحاب النّيّة السّيّئة بالإيقاع بين أبناء الطّائفة الواحدة، وسط تقسيمهم إلى “شعبيّة” و “طرشان”، ودقّ أسافين الخلاف بينهم وإشعال معارك دامية راح ضحيّتها خيرة الشّباب. نتيجةً لذلك، ترأّس فضيلته وفدًا رفيع المستوى إلى الجبل، وصل عام 1941 بمعيّة سيّدنا الشّيخ المرحوم أبي حسين محمود فرج، والقائد المعلّم كمال جنبلاط، حيث استُقبل هناك أحسن استقبال على يد الزّعيم المرحوم سلطان باشا الأطرش، ونجح بعد عقد المفاوضات في وأد الفتنة العمياء وإرجاع المياه إلى مجاريها في جبل الدّروز.
في عام 1947 استقبل سيادته وفدًا كبيرًا ونادرًا من مشايخ لبنان، يرأسهُ فضيلة سيّدنا الشيخ أبو حسين محمود فرج، للمشاركة في مراسم الزّيارة الرّسميّة السّنويّة لمقام النّبي شعيب عليه السّلام في نيسان. على إثر ذلك، ردّ سيادته الزّيارة خلال نفس العام، وترأّس وفدًا من مشايخ البلاد خلال نفس العام للمشاركة في زيارة النّبي أيّوب عليه السّلام في بلدة عيحا الّلبنانيّة خلال شهر آب. هناك التقى سيادته بكبار المشايخ من لبنان وسوريا، ليكون اللّقاء الأخير الّذي يجمع أقطاب الدين من سوريا ولبنان وبلادنا، قبل قيام الدّولة، لتصبح العلاقة بعدها عبر الأثير.
مع قيام دولة إسرائيل عام 1948، انقطع الاتّصال بين بلادنا وبين الإخوة ما وراء الحدود، ولكنّ سيادته كان دائمًا ملتزمًا بنفس الموقف الأبيّ في السّؤال عنهم والاهتمام بأمرهم، معبّرًا عن ذلك بقوله: “لا يمكن أن نتخلّى عن أبناء طائفتنا أينما كانوا، ولا يمكن أن تفصلنا عنهم الحدود أو تعيقنا القيود”.
في عام 1953 أقام فضيلته في قرية جولس موقفًا تأبينيًّا إثر وفاة المرحوم سيّدنا الشّيخ أبي حسين محمود فرج من لبنان.
في حوالي عام 1954 هبّ فضيلته على رأس الطّائفة الدّرزيّة، معلنين تضامنهم الكّلّي مع الأهل في جبل الدّروز، وقوفًا مع عطوفة سلطان باشا الأطرش وعموم الأهل في الجبل، ضدّ ممارسات الطّاغية أديب الشيّشكلي الّذي تجاهل دور الدّروز في استقلال سوريّا ووجّه نحو ظلمه وتعسّفه، لتنتهي الأحداث بهروبه إلى أمريكا الجنوبيّة حيث قُتل هناك على يدّ البطل نوّاف غزالة.
في تاريخ 1968/1/21 قام فضيلته باستقبال أوّل وفد من دروز هضبة الجولان أثناء أوّل زيارة لهم لمقام النّبي شعيب عليه السّلام في حطّين.
في تاريخ 1968/1/22 ترأّس فضيلته أوّل وفدٍ لزيارة مقام النّبيّ اليعفوري عليه السّلام في هضبة الجولان، لتصبح هذه الزّيارة زيارةً رسميّة حتّى يومنا هذا.
في سنة 1977 وصل إلى سيادته خبر مقتل المعلّم القائد كمال جنبلاط، الّذي أزعج خاطره وأحزن قلبه، مقيمًا في أعقاب ذلك مراسم تأبين رسميّة في مقام النّبي شعيب عليه السّلام. لم يكن هذا التأثّر عفويًّا، بل أتى على إثر ما جمعه من علاقات حميمة مع أهل المرحوم كمال جنبلاط، الّذي قابله سيادته مرّات عديدة في طور شبابه، ورأى فيه شخصيّة القائد الواعي والمفكّر الباحث. وقد تطرّق المرحوم كمال جنبلاط في كتابه “هذه وصيّتي” إلى الحديث عن فضيلته قائلًا: “وللأسف فإنّنا لم نعد نتّصل بالثّلاثين ألف درزي في إسرائيل منذ زمن بعيد. أمّا في الماضي، أي عندما كانت فلسطين، فإنّهم كثيرًا ما كانوا يقدمون إلى المختارة. إنّهم بعيدون عنّا الآن، ولكن لديهم رئيس روحيّ رفيع يقودهم وهو لا يزال على الرّغم من سنّه، أمثولةً في الحكمة والتّعقّل”.
في عام 1981 أقام فضيلته موقفًا تأبينيًّا لشيخ البيّاضة الزّاهرة، المرحوم الشّيخ أبي علي مهنّا حسّان، الّذي رافقه خلال أيّام شبابه في مسيرة دراسته الرّوحيّة في خلوات البيّاضة.
في عام 1981 طالب فضيلته الجهات المسؤولة في السّلطات الإسرائيليّة، برفع الحصار الّذي تمّ فرضه حول قرى هضبة الجولان، فاستجابت السّلطات حالًا لطلبه.
في عام 1982 وفي إثر اندلاع الحرب الطّائفيّة في لبنان، تابع فضيلته الأحداث ليل نهار، مستفسرًا في كلّ ساعة عن أحوال الإخوة الدّروز، ومجريًا اتّصالات دائمة مع كلّ الجهات المسؤولة لتأمين الأمن والحماية للطّائفة. وقد انطلق فضيلته بعدها إلى لبنان في تاريخ 1982/7/23 على رأس وفد قام بتشكيله، محدثًا تغييرًا إيجابيًّا ووقوفًا في وجه الانشقاق الّذي هدّد أبناء الطّائفة هناك.
في تاريخ 1982/10/15 قام فضيلته بزيارة خلوات البيّاضة الشّريفة بعد انقطاع دام منذ عام 1948، لتتحوّل تلك الزّيارة لمنهجٍ تقليديّ يقوم مشايخ تلك المنطقة بإحيائه حتّى يومنا هذا.
في عام 1983 ونتيجةً للأحداث المؤسفة والقصف المتتالي على القرى الدّرزيّة في لبنان، على يد السّفن الحربيّة الأمريكيّة وخاصّة المدمّرة البحريّة “نيوجرسي”، قام فضيلته بمقابلة السّفير الأمريكي صاموئيل لويس في تل أبيب، مطالبًا إيّاه بالوقف الفوريّ عن قصف القرى الدّرزيّة في الشّوف الّلبناني، إلى جانب مطالبته برفع الحصار والحواجز الّتي أقامتها قوّات الكتائب اللّبنانيّة حول القرى الدّرزيّة.
في عام 1984 عقد فضيلته اجتماع نصرٍ احتفاليّ في مقام النّبيّ شعيب عليه السّلام في حطّين، وذلك احتفالًا باسترجاع الشّحّار واستعادة المقدّسات التّابعة للطّائفة بعد الحرب. وقد أصبح هذا الاجتماع نهجًا سنويًّا مباركًا، لا يزال يُقام حتّى يومنا هذا تحت اسم “زيارة الشّحّار”.
ولـمّا كانت البيّاضة الزّاهرة لا تزال تحيا في قلبه وذاكرته، قام سيادته في عام 1990 بافتتاح خلوةٍ واسعة الأرجاء في البيّاضة الزّاهرة أطلق عليها اسم “خلوة الصّفديّة”، وذلك تشجيعًا للشّباب على زيارتها والمكوث فيها خلال فترة دراستهم الرّوحيّة وحفظهم لكتاب الله العزيز.
في عام 1991 أقام فضيلته موقفًا تأبينيًّا إثر وفاة شيخ عقل الطّائفة الدّرزيّة في لبنان، سماحة المرحوم الشّيخ محمد أبو شقرا.
بعد وفاة فضيلته في 2 تشرين الأول 1993 أقيم لذكراه موقف تأبينيّ كبير في مقام الأمير السّيّد في عبيه، شارك فيه مئاتٌ من مشايخ الدّين وأصحاب المناصب. كذلك، أقيم موقف تأبينيّ آخر في جبل الدّروز، شارك به الآلاف من المشّيعين أبناء الطّائفة والطّوائف الأخرى…