في العام 1862 طلب مشايخ خلوات البيّاضة من الشيخ أبو علي قسام الحناوي الحضور الى لبنان، من أجل حلّ الخلاف الذي عجزوا هم عن حلّه، ما بين الشيخ خطار عماد وحسين تلحوق من جهة، والشيخ سعيد جنبلاط من جهة ثانية. هذا الخلاف الذي راح بسببه مئات القتلى وفرّق شمل الناس وشتّتت وحدتهم.
همّ الشيخ الحناوي بالذهاب الى لبنان مع فئة قليلة من مشايخ الجبل، وبعد مكوثهم بأيام تكلّلت مساعيه بالخير وتمّ رأب الصدع بين المتخاصمين، وزال الخلاف المستعصي منذ زمن، وعادت المحبة تملأ قلوب الجميع.
بعد الصلح أقيمت حفلات التكريم للشيخ الحناوي ومن معه، وأقام الشيخ بشيّر قيس، أحد وجهاء حاصبيا، لقاء كبيراً تصدره المرحوم الشيخ الحناوي ومرافقوه من أهل الجبل. بعد الوصول مباشرة طلب الشيخ الحناوي من صاحب الدعوة، أن يستدعي له شخصاً اسمُه حسن شروف، وهذا الشخص من عامة الناس، ويعمل راعياً للماعز.
تعجّب الحاضرون من طلب الشيخ الحناوي هذا، وقال له صاحب الدعوة الشيخ بشير قيس: “هذا راعي معزا شو بدّك منّو حضرة الشيخ…. نحنا كلّنا بخدمتك؟”.
أجابه الشيخ الحناوي: “بدّي اتعرف عليه لا أكثر…. وعند ما بتعرفوا السبب بيبطل العجب”. ثم تابع الشيخ الحنّاوي وقال للجميع: “يا غانمين في إحدى المناسبات اجتمعت مع شيخ عشيرة “عنزه” المعروف “ابن سمير” ومثل ما بتعرفوا ابن سمير هذا زعيم مشهور وفارس معروف وهو قاعد حدّي تطلّع فيّ وارتسمت على وجهو علامات الإعجاب وقلي: “يا بو علي يخطي من يقول إنّه بالديرة أشجع منكم يا بني معروف، وانا أشهد شهادة حق بأن الله اصطفاكم من بين خلقه كلهم لتكونوا أبطال حرب صناديد، وفرسان مذاويد ولا ينكر عليكم عالشيّ إلا عديم الهقوة”. فقال الشيخ الحناوي لابن سمير: “شو مناسبة هل حكي، هات ما عندك يا أخو عذره ـــ وهذا لقبه ــ”. فخاطب ابن سمير الجميع وقال: “كنا عشر فرسان ومعنا البطل صالح الطيّار، وناحرين يم (عين ذكر) بالجولان، فصادفنا بطريقنا واحد من الجبل، من بني معروف بظهر فرسه وجنبه صبية مزيونة بظهر ناقة. ومن بعد ما قفوا عنا مسافة أغواني الشيطان، واستحليت الصبيّة المزيونة. قلت لربعي هذي غنيمة هيّنة ما تكلفنا شيّ خلو الصبيّة إلي وإنتوا اغنموا الباقي وهذا زلمي خلاوي وحنّا عشرة بظهر خيلنا ما يقدر علينا”. وهمّوا بالهجوم عليه.
فلما عرف حسن بقصدهم، نوّخ الناقة جانب رجم عالي ووضع الفتاة بين الرجم والناقة، واعتلى بظهر فرسه وصار ينتخي، ويقول: “أنا حسن شروف أنا رخيص الروح. ياما حلا الموت عند العرض والكرامة. واللّي ودّه تثكله أُمّه يقرب جاي. ويعيد قوله، كل ما ينتهي، حتى ثار الغبار ودبّ الرهبة بقلوبنا وهو زلمة لوحده وحنّا عشرة بظهور خيلنا”، ويضيف ابن سمير “عندها قلت لربعي: هذا سبع من سباع بني معروف يذود عن لبوته … والله والله ….. إن قربّنا منه غير يقتل منّا ثلاثة أو أربعة. أنا موجه الله عليكم جوزو عنه مثل هذا السبع حرام يموت. تركناه وبعد صوته بوذاني للحين وهو ينتخي ويقول: أنا حسن شروف أنا رخيص الروح هذا السبع ما أنساه ماطول وأني حيّ”.
ما إن أكمل الشيخ الحناوي حديثه، حتى ذهل كلّ من كان موجوداً. وبعدها بلحظات أقبل حسن شرّوف وبيده عصاه فوقف الجميع احتراماً له، وتقدم منه الشيخ المرحوم أبو علي قسام الحناوي، وبعد السلام عليه، قبّل له شاربيه وأجلسه بجانبه وأثنى عليه قائلاً: “مثلك تكون الرجال يا شيخ حسن، أنت رفعت راس بني معروف بشجاعتك وإقدامك. والله يكثّر من أمثالك، ويبارك إلك بمالك وحلالك”.
بعد أن انتهى الشيخ الحناوي من حديثه، تقدم صاحب الدعوة الشيخ بشيّر قيس، وقال لحسن شرّوف “ليش ما حدثتنا يا شيخ حسن باللّي صار بينك، وبين ابن سمير؟”. تململ حسن شروف وأصلح من عمامته، ووجه الحديث للحاضرين، وقال: “مين منكم بدّو يصدقني إني تمرجلت على عشر خيالة بأرض قفرا. من شان هيك ما حكيتها قدّام حدا. لكني أودعتها بخزاين الباري عزّ وجل. والحمد لله اللّي عرفتوها من الشيخ بو علي. وهذي نعمة علّي من رب العالمين”. وما أنهى كلامه حتى انهال عليه الجميع بعبارات التكريم التي يستحقها.