خاص “كيان 24”
بين سلك الدبلوماسية في بعدها الوظيفي والسياسي، ودبلوماسية الأدب في بعده التجديدي والرؤيوي المتجاوز للسائد والمألوف في مرحلة تشكل الحداثة العربية، توزعت حياة الكاتب القصصي والأديب والدبلوماسي خليل تقي الدين.
وبين سلوكه طريق السفر والتحليق الدائم في عواصم العالم بوصفه سفيرا للبنان في عدد من الدول، لا سيما الأوروبية منها، وسلوكه طريق الكتابة الأدبية بأنواعها المتشعبة بوصفه سفيرا للكلمة في مدار الإبداع والمثاقفة والكتابة، تلاقى نبض الحس الوطني لتمثيل لبنان أصدق تمثيل، بنبض الحبر المتناغم مع نبض القلب في لحظات تمزقه بين غربة وحنين وحب وغرام من جهة وتأمل ووصف وكشوفات ذات بعد فلسفي وصوفي من جهة أخرى.
فخليل تقي الدين الشاعر والأديب والقاص طغى على خليل تقي الدين الموظف والدبلوماسي. لأن حضوره الأدبي والفكري ونتاجه الكتابي، جعله حاضرا بقوة على الساحة الكتابية والأدبية، في مرحلة تشكل الوعي الحداثي على المستوى الشعري والنثري، فأتقن كتابة الشعر الموزون المقفى واستخدم نمطية الاوزان الخليلية، وعرف كيف يخوض غمار قصيدة النثر بتأثير ثقافته الغربية دون أن يخل بشعرية العبارة وموسيقى النص، وبذلك أمسك خيوط الدبلوماسية في سياسة الشعر، برؤاه العميقة ومعاصرته لكبار الشعراء والكتاب الغربيين والعرب، وفهمه الحضاري لقضية التجديد منذ منتصف اربعينيات القرن الماضي، وانسحب هذا الفهم الحداثي على نثره من خلال مقالاته وقصصه التي نشرها في مجلات وصحف لبنانية وعربية وغربية، فكانت لغته في كتابة النثر تحمل أفكارا جديدة وآراء جديدة، هي نتاج ثقافته المعاصرة لذا جاءت كتاباته تنبض بتلك الجدة وتتزيا بمرآة عصره وحداثة الغربيين
ولادته ونشاته
في بلدة بعقلين الشوفية، وفي الثالث من آذار من العام 1906، أبصر خليل تقي الدين النور، في بيت مثقف ومحب للعلم ينتمي لطائفة الموحدين الدروز، وهو شقيق السياسي والمسرحي والكاتب القصصي سعيد تقي الدين، والسياسي بهيج تقي الدين، والدبلوماسي والعسكري والكاتب منير تقي الدين.
أمضى سنواته الدراسية الأولى في مدارس بعقلين فتعلم اللغة العربية ومبادىء علم الحساب، ثم التحق بعد ذلك في مدرسة تابعة للبعثة العلمانية الفرنسية فأتقن اللغة الفرنسية إلى جانب لغته العربية، ليكمل دراسته في بيروت في المدرسة العلمانية (اللاييك) فنال البكالوريا الفرنسية، ليكمل مسيرته العلمية في كلية الحقوق في جامعة القديس يوسف في بيروت، إلى ان تخرج منها في العام 1926 بتفوق.
كانت مراحله الدراسية الأولى في مدارس بلدته بعقلين التي تعلم فيها مبادئ الحساب واللغة العربية، ليلتحق بعد ذلك بالمدرسة التابعة للبعثة العلمانية الفرنسية فتعلم فيها اللغة الفرنسية بالإضافة الى اللغة العربية، وبعد ذلك أكمل دراسته في المدرسة العلمانية (اللاييك( في العاصمة بيروت التي نال منها البكالوريا الفرنسية، ليدخل بعد ذلك الى كلية الحقوق في جامعة القديس يوسف في بيروت والتي تخرج منها في عام 1926.
العمل الدبلوماسي
من صفوف الدراسة والتحصيل العلمي انتقل تقي الدين الى الوظيفة، فعين في عام تخرجه بوظيفة كاتب في مجلس الشيوخ اللبناني الذي دمج فيما بعد مع مجلس النواب ليستمر في الوظيفة ذاتها الى أن عين مدير عام مجلس النواب في سنة 1943
عين الكاتب الكبير في نفس السنة التي تخرج فيها من كلية الحقوق ككاتب في مجلس الشيوخ اللبناني، واستمر في وظيفته حتى دمج مجلس الشيوخ اللبناني مع مجلس النواب، فانتقل للعمل ككاتب في مجلس النواب واستمر في عمله حتى عين كمدير عام في مجلس النواب سنة 1943.
وبعد استقلال لبنان وجلاء الجيوش الأجنبية من اراضيه انتقل خليل تقي الدين إلى العمل الدبلوماسي فعين في العام 1946 سفيرا للبنان في موسكو التي كانت حينها عاصمة الاتحاد السوفياتي، ثم تنقل بين دول عدة ليشغل سفير لبنان في النروج وفنلندا وغواتيمالا وهندوراس والمكسيك والسلفادور وكوستاريكا ونيكاراغوا وليبيا ومصر والسودان وتركيا ثمّ بريطانيا، قبل أن يحال إلى التقاعد في العام 1970، بعد أن جال معظم دول العالم وترك بصمات مضيئة في تمثيل لبنان، وفي تقديم صورة مشرقة عن بلده وفي حفظ مصالح دولته في الخارج ومتابعة شؤون اللبنانيين في تلك الدول، غضافة الى شبكة العلاقات الواسعة والمهمة التي تركها في معظم تلك الدول، دون أن ينقطع عن الكتابة والتأليف ونشر المقالات.
وبعد تقاعده استهواه العمل الصحفي في دار الصياد، ليتعاقد بعد ذلك مع وزارة الإعلام اللبنانية كمستشار ثقافي لها حتى عام 1982، حيث استقال وقررالتفرغ للتأليف والكتابة ولعائلته وبلدته، اضافة الى اعطاء علاقاته الاجتماعية وقتها الكافي حيث كان مرتبطا بشبكة علاقات اجتماعية واسعة.
وعلى المستوى الثقافي كان تقي الدين من مؤسسي عصبة العشرة الثقافية مع اصدقائه الياس أبو شبكة، ميشال أبو شهلا وفؤاد حبيش.
نال تقي الدين وسام الارز الوطني اضافة الى العديد من الأوسمة والجوائز في لبنان والعالم العربي والأجنبي وفي معظم الدول التي شغل فيها منصب سفير للبنان.
التأليف والكتابة
على مستوى التأليف والكتابة، ففي رصيده عشرات الكتب والمقالات والقصائد الشعرية، منها: “عشر قصص من صميم الحياة، خواطر ساذج، الاعدام، كارن وحسن، تمارا، العائد، من هتلر إلى رياض الصلح، ما قل ودل، قصص من حياتي، البدايات”.
اهتمت صحافة عصره بنتاجه الشعري المرموق والذي كان يعكس روح العصر ويلامس وجدان القارىء وحدسه، فنشرت الكثير من ذلك النتاج. ومن هذه القصائد: “وادي العرائش” في مجلة المعرض، حديث مع حسنا” في مجلة العصبة، “الشفاه الكاتبة” في مجلة العصبة،” تعالي إليّ” وكان لقصيدة النثرنصيب في نتاجه الشعري، فنشر منها: “الشمعة رقصة الروح. أيتها الحرية” وغيرها من القصائد التي كان لها الاثر الجميل ي نفوس القراء والمتابعين. كما نشرت له مجلة المكشوف ما يقارب المئة مقالة.
كان محبا للقراة والمطالعة، فقرأ التراث واستوعبه، وقرأ الغرب وهضمه دون أن ينجرف في تيار الانبهار الكلي بذلك النتاج، ودون ان يغرق بالتراث بل تعاطى بعقل نقدي وفكر رؤيوي .
في التاسع من تموزمن العام 1987، توفي الاديب والدبلوماسي خليل تقي الدين في بيروت، ليدفن في بلدته بعقلين. وأطلقت الدولة اللبنانية اسم خليل تقي الدين على أحد شوارع منطقة الصيفي في العاصمة بيروت تكريماً له، فغاب تقي الدين الدبلوماسي وبقي تقي الدين الشاعر والاديب.