شوقي شعبان، شاعر زجلي لبناني من بلدة بتبيات في المتن الأعلى.عاصر كبار شعراء الزجل وتبارى معهم، وجمعته مسيرة طويلة الى جانب الشاعر طليع حمدان.
توفي شعبان في 12 تموز 2023، لتودعه نقابة الشعراء وبلدته بمأتم حاشد.
وفي ذكرى أربعينه، أقامت نقابة شعراء الزجل في لبنان وآل شعبان، وعموم اهالي بلدة بتبيات الواقعة في قضاء بعبدا، بالتعاون مع وزارة الثقافة، حفلا تكريميًا، في مقر قاعة المركز الاجتماعي في البلدة، بحضور الكاتب والاعلامي روني الفا ممثلًا وزير الثقافة القاضي محمد وسام المرتضى، والشيخ فادي العطار ممثلًا شيخ العقل لطائفة الموحدين الدروز الدكتور سامي ابي المنى، وممثل عن وزير التربية القاضي عباس الحلبي، بالاضافة الى فعاليات سياسية وحزبية واجتماعية وثقافية وبلدية واختيارية ولفيف من المهتمين وعائلاتهم وال شعبان.
وألقى الكاتب والاعلامي روني الفا كلمة بالمناسبة جاء فيها: “عندما يموتُ الشاعرُ تذبُلُ معه زهرةٌ برّية تَذوي براعِمُها بينَ تجاعيدِ الصخور وتنمو جذورُها بينَ أفياء التراب. زهرةٌ يفوح منها بخورُ اوراق الكتب المتناثرة فوق رفوفِ المكتباتِ الباكيات على أصابع شاعِرٍ كان يلامسها فضًّا لبكارةِ الرّتابة طابعًا على جبين موته الآتي مقبرة تحتفل بالحياة. عندما يموتُ الشاعرُ ينبتُ عشبُ الشعر فوق غيمةِ الصُّورِ المجنّحَةِ وتفوحُ نعناعةُ ابيات القصيد كأنها نسمة باردة تغطُّ بسلامٍ فوق حرارة البادية المتأملة بواحة من نخيل وارف الأفكار”.
وقال الفا: “ماتَ شوقي شعبان تاركًا زهورًا برّية كثيرة تناثرت في هذا الجبل ولا شك انها ستترك عطرها في أرجاء ذاكرتنا نحن الذين ننتعلُ ترابَنا ونمشي معه كما شوقي نحو هنيهاتٍ جديدةٍ تتنهدُّ فيها بناتُ أفكارِ الراحلِ قصائدَ منظومةً على بحرِ الهديل ومشتقَّةً من ثاني أوكسيد الجراح، متَّقِدَةً كسهرةِ نارٍ تحت صنوبرات الأمسيات المتواطئةِ مع جرائم الغرام المُحَلَّلةِ والقبلاتِ الممنوعَة في وضح الظلام. ماتَ شوقي منتشلًا قامته من مستنقع الحضور المؤقت ممتطيًا قيمته صوب هضاب الديمومة. شيء ما في قلمِه يأخذ أشكالًا جديدة في مسامِ اشتياقنا الى صوته. في اوقات متفرقة حين يتنمر عليك الحنين تشعر بوخزات قلمه تحدثُ في بشرة وجداننا قشعريرة مُعَنّى”.
وأضاف الفا: “يجلسُ اليوم شوقي شعبان على كرسي بيننا. التفتوا جيدًا ترَونه. أرجوكم لا تأخذوا مقعد الشاعر الشاغِر فمقعده يغني من بعده تراتيل البجع الأبيض قبل غفران الرحيل. كراسي الشعراء بعد الشعراء شاعرات، وعندما يحضرون يجلُسون عليها وعندما يهاجرون تجلُس الكراسي على أنفسها حزنًا عليهم فتناوبوا تناوبوا ما الحبُّ إلا للجليس الأوَّلِ”.
وأستطرد الفا: “كلّفني فشرَّفني معالي وزير الثقافة القاضي محمد وسام المُرتَضى تمثيلُه في هذه الفعالية التي لها وقعٌ عاطفيٌّ عميقُ المرامي في قلبه وضميره وهو الذي وضَعَ كل جهده في سبيل الحفاظِ على تراثٍ رافق تضاريس حياتنا الوطنية في الثقافة والسياسة والاجتماع عاملًا بجهد على توطيد أواصر المحبة بين القصيدة والقصيدة فالشعر لا يعرف الا العشق ومتى نمتِ الأحقاد بين الكلمة وأختِها تحوّلتِ الفصاحةُ إلى ثرثرة والبلاغةُ الى جراحٍ بليغة فنحن إِنْ كُنا نتكَلَّمُ بِأَلْسِنَةِ النَّاسِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَلكِنْ لَيْسَ لنا مَحَبَّةٌ، فَقَدْ صِرْنا نُحَاسًا يَطِنُّ أَوْ صَنْجًا يَرِنّ”.
وتابع الفا: “ليس أدلُّ على محبَّتِنا أكثرُ ممن نجتمعُ على ذكراه. شوقي شعبان، ذكراكَ كتابٌ اخترع القراءةَ غلافُهُ مخيّطٌ بالحبّ معنوَنٌ بالضباب ومُفَهرَسٌ بتأوهات النفوس المشتاقة لصهلةِ مخمّسٍ وزأرةِ عتابا” وثُغاءِ رويٍّ يرتوي من دموع النظم ومآقي تراثٍ زجليٍ يُحاكي فساتينَ العَذارى المتلبّسَةِ بجمالِ نهدةٍ بين المراهقة والبلوغ. ونحنُ اذ نتحايلُ على المستحيل بالأمنيات نسكبُ طيفَكَ في كأسٍ فضيّةِ الحَنين ونتنشَّقُ عبقَ ضفائرِ شِعرِكَ المسكوبِ كما القيراطُ في السبيكة وكما انسيابُ المَغنى يمرُّ بين حنجرتِكَ والشفاه يرندِحُ الجمالَ على أرجوحة القوافي”.
وأردف الفا: “من هذه البلدة الصغيرة بمساحتها الفسيحة بسماحتِها استذكرُ عهد القيم التي عرفتها بلدتكم الرائعة حيث يتآخى النهر مع صنوبراته وتتبادل الوديان القبلات مع السفوح والبِطاح في تناغمٍ وتآلف بين الأضداد، حتى الطبيعةَ تستقيمُ بجدلية الذكورة والأنوثة. طبيعة الفاكهة التقاءُ أنثى عجوتِها بالذَّكر والعكسُ بالعكس.انه ناموس الحياة ومسار الصيرورة بالضرورة. الراحل الكبير كتب في الحب قبل ان يتحوَّلَ ويتحلَّلَ أجملَ ما في تلافيف الغزل:
لمسات ايديها ارق من النسيم
صار الضغط يطلع معيوالله عليم و دقات قلبي تزيد جوات الصميم
لما تقيسو النرس ما يطلع سليم يقيسو طبيب القلب يطلع مستقيم بايد النرس عشرين عا عشره يكون واطنعش عا سبعه بايدين الحكيم
واضاف الفا: “هذا الشعر من هذه البيئة ومن هذا المعجنِ والمَعين. توحيد في الدين يُصَفّى عسلُه الروحي في حلال العاطفة وتزاوج الأضداد ذكرًا وأنثى، رجلٌ وامرأة بخوف الله جُلَّ جلالُه وهل لنا غيرُ أجلّائِنا هدايةً للحق وحمايةً للحكمةِ وصيانة للأسرةِ مِن موبقات آخر زمان حيث تجندلتِ الجندرةُ وانحدرت الانسانية الى ظواهر النباح والمواء والثُّغاء والهديل”.
واضاف الفا: “لابد من التطرق الى ما يخص واقع الحال من اجل صون الاسرة والقيم ،ولقد كان هذا الجبل الأشم شديد البأسِ على بؤساء الترويج وكان للمشايخ الأجلّاء فيه إجلالٌ للدين والتقاليد في مواجهة تدمير الكتاب وتشويه الحكمة وتلويثِ الخَلوة وتدنيس التضرع والصلاة. خضنا معركة ضارية أيها الإخوة وكان وزير الثقافة سيفُها ودرعُها في مواجهة المثلية التي تستميت الصهيونيةُ في ترويجِها بالتزامن مع تجريم معاداة السامية والتسامح مع حرق القرآن الكريم. مؤامرة للقضاء على حضارة بأمها وأبيها بسلاح الدُّمى الزهرية التي صارت فيها الأنثى ذكرًا والذكر أنثى وصار فيها الحب والهوى والهيام بين الذكور والذكور وبين الإناث والاناث وقريبًا بين الانسان والحيوان فشكرًا لهذا الجبل والمشايخ الذين سبقونا في المواجهة واذ أذكر شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز سماحة الدكتور الشيخ سامي ابي المنى، وكبير مشايخ البياضة الشيخ فندي جمال الدين شجاع و فضيلة الشيخ فادي العطار وفضيلة الشيخ وسام سليقا ،فلا يفوتُنا أن نذكر حضرة المشايخ الأفاضل على امتداد الوطن الذين كانوا نبراسَ حقٍّ ومنارةً يُستَهدى بها في مواجهة هرطقات انحطاط هذا العصر”.
وختم الفا: “شوقي شعبان، نَم قَريرَ الشِّعر، هم إخوتُكَ وقد أنشدوكَ وناشَدوك أن ابقِ روحَكَ بِجَناحَين مُصَفِّقَين تَجوبان أرجاءً فسيحةً تعبقُ بأريجِ المتَّةِ وعبارة ان شالله ” مريَّظين” تمامًا كما يلفظُها من قافُهُم في قعرِ قوافيهم يقارعون القاصي والقريب بقربانةِ قافٍ تقفُ على قارعة القوام القويم قوية قادرة مقتدرة”.
ثم تناوب على الكلام الشعراء، فكانت قصائد لكل من طليع حمدان، انطوان سعادة، عادل خداج، سامية حداد، فكتور ميرزا، مازن غنام، نديم شعيب، وحبيب ابو انطون .وكانت كلمة لعائلة الراحل ولأهل البلدة.