ولدت الأميرة حبوس في الشويفات سنة 1768م، وهي إبنة الأمير بشير أرسلان وتزوجت بالأمير عباس بن فخر الدين الأرسلاني، وكانت ذات شخصية نادرة يضرب بها المثل، حتى أنها طغت على شخصيتي والدها وزوجها الذي توفي سنة 1224هـ 1809م، وأولادها صغار ليس فيهم من يصلح للإمارة، فقامت بها، كانت إمارتها تشمل الشويفات، عين عنوب، عرمون، بشامون، عين كسور، وغيرها من المزارع. وقال فيها الشدياق: “تولت المقاطعة لذكائها. فساست الرعية سياسة حسنة، واشتهرت بالصفات الحسنة حتى كانت ملجأً وغوثا للناس”.
إلا أن دائرة المعارف للبستاني تشير إلى أن توليها لشؤون الحكم كان في العام 1793 كحاكمة على إقطاعية الغرب فأدارت الحكم بفطنة جعلتها موضع إعجاب اللبنانين.
الشكوى للجزار
في العام 1794 شكاها قائد الجيش، وكانوا يسمونه سرعسكر، محمد آغا العبد الأمير بشير إلى الجزار واتهمه بعدم دفع الجزية المفروضة عليه، فأرسل الجزار أمرا بالقبض عليه مع أخيه حسن والشيخ بشير جنبلاط وقد تم ذلك في غابة الصنوبر قرب بيروت وأرسل الثلاثة أسرى إلى الجزار على متن سفينة حملتهم إلى عكا، فسجنهم في قلعتها وقيدهم بسلاسل ثقيلة ومنع الناس من زيارتهم، وفي سجنهم لم تنقطع الأميرة حبوس عن إرسال الأموال الكثيرة إلى الأمير بشير ليقدمها إلى الجزار فدية عنهم، وكانت إلى جانب ذلك، تتولى شؤون عياله وتسعى إلى الدعوة له واستمالة الناس إليه.
ويقول لامارتين في كتابه رحلة إلى الشرق: “لما طرح الجزار الأمير بشير في سجن عكا، يوم ذهب إليه بعد مقتل الأمير يوسف، وأبقاه مدة عشرين شهرًا، وضيق عليه، بغية أن يسوقه إلى دفع جزية عظيمة، ولكن الأمير بشير لم يكن يملك شيئًا، ولم يكن قد تولى زمنًا طويلاً ليجمع ثروة، وكان معه في السجن وزيره الشيخ بشير جنبلاط فأرسل الشيخ الجنبلاطي سرًا إلى الأميرة حبوس التي كان بينه وبينها علاقة حسنة، وعهد إليها بأن تقدم للباشا ما يطلبه، وتتظاهر بأنها تريد أن ترهن حليها وجواهرها لإكمال الفدية.
ذهبت الأميرة حبوس إلى الجزار وكانت امرأة فطنة جريئة ذات براعه فالتقته في عكا. واستمالته بلطف شخصيتها وذكائها، حتى خفض مقدار المبلغ الذي كان قد طلبه، تخفيضًا عظيمًا، وارجع الأمير بشير إلى ولايته. واستمرت الأميرة حبوس في ولايتها إلى أن عزل الأمير بشير الشهابي عن ولاية لبنان سنة 1820 وكانت تابعة له، ثم عاد إلى الحكم سنة 1822، فأقام أحد أبنائها أحمد بن عباس أميرًا على الشويفات وظن الناس، يومذاك، أن الأمير إنما يكافئ أحمد على شجاعته وعونه له، إلاَّ أنه، في الحقيقة، كان يرمي من وراء ذلك النيل من عزة الأميرة حبوس. وفي العام 1824 عندما غلب الشيخ بشير جنبلاط أعمام الأمير بشير الشهابي والذي ما لبث أن انتهى شهيدًا في عكا مع أولاده وصديق عمر الشيخ علي عماد، أدركت الاميرة حبوس أن الأمير بشير الشهابي المنتصر لا بد من أن يفتك بها، فآثرت اللجوء إلى بشامون، وحين بلغ الأمير بشير خبر ذلك اللجوء، أرسل في أثرها أحد أبناء عمه الأمير بشير قاسم حيدر الذي اصبح فيما بعد بشير الثالث، ليطالبها بأموال الفدية ويضيق عليها الخناق الأمر الذي أدى إلى موتها قهرًا. ويروي الشدياق عن أسباب موتها قوله: «لما شدّد الأمير بشير قاسم حيدر على الأميرة بطلب المال وضيق عليها ذهب ولداها إلى عين تيراز يلتمسان من الشيخ منصور الدحداح، مدير الأمير الشهابي ويسترضيانه بتعيين ما يمكنهما دفعه من المال المطلوب.
وفاتها
وفي غضون ذلك توفيت، ولما بلغ أولادها خبر موتها، حضروا إلى بشامون وأقاموا لها مأتمًا مهيبًا، ودفنت في قبة الأمير نجم. أما دائرة معارف البستاني فتقول في خبر موتها: “ويقال انها ماتت بدسيسة من الأمير بشير” وكما يؤكد بعض الرواة على ذلك بقولهم انها ماتت خنقًا.
كذلك يوجد رواية أخرى عن أسباب موتها وملابساته، تناقلها الخلف عن السلف، دون أن يؤكدها مؤرخ معروف، منها، أنه بينما كان جند الأمير بشير يمرون بقصرها في بشامون، دخلت القصر نورية تقصد الاستجداء، فاستبدلت الأميرة ثيابها بثياب تلك النورية وخرجت، ولم تسر مسافة في طريق عين عنوب حتى راها جنود الأمير بشير فلفت نظرهم ساق بيضاء تظهر من تحت الثياب، والتي لا يمكن أن يكون مثلها لنورية تضرب الآفاق والأزقة منتعلة قدميها فصاح أحد الجنود “هي ذي الأميرة” فلحق بها الجند. فسقطت ميتة لشدة تأثرها، ويروى كذلك، أنهم أطلقوا عليها الرصاص عند كنيسة عين عنوب الأرثوذكسية فقتلوها وكان لها من العمر ثمان وخمسون سنة .
وقد تكون القصة الأخيرة هذه قد لعب بها الخيال الشعبي ولا يمكن الركون إليها كحقيقة تاريخية، مما يجعل غيابها سرا من اسرار عداوات وزعامات الأيام الخوالي إلا أن، ما لا يرقى إليه الشك، أن الأميرة حبوس الأرسلانية، والتي كانوا يلقبونها بالست حبوس كانت سديدة الرأي عالية الهمة، كريمة النفس، نموذجًا فذًا فريدًا للنبل والإقدام والشجاعة عبر العصور فغدت مثالًا بين النساء اللواتي حكمن وخضن الحروب.
قال الأمير عادل أرسلان في رسالة بعث بها إلى الزركلي “حبوس هي التي غضبت على وكيل أملاكها “زيدان” جد جرجي زيدان الشهير فكانت سبب نزوحه إلى بيروت وكان نزوحه سبب ظهور المؤرخ الشهير جرجي زيدان. وهي ليست شهابية بل هي أرسلانية” .
وفي الختام الموت حقّ ومهما تعددّت الأسباب الموت واحد. استشهدت الست حبوس ودفنت في بشامون. وكان لديها من الأولاد منصور، أحمد، حيدر، امين.
الكاتب: الشيخ المؤرخ مكرم المصري