شاركت الجمعية الدرزية الكندية في الذكرى السنوية الخامسة والأربعين لتغييب الإمام السيد موسى الصدر ورفيقيه، بدعوةٍ من جمعية الرسالة اللبنانية الكندية، في احتفال أقيم في قاعة مركز الهدى الإسلامي، في تورنتو، في 2 أيول 2023.
وألقى رئيس مركز التراث العربي خالد حميدان، ممثلاً الجمعية الدرزية الكندية في اونتاريو، كلمة جاء فيها:
بعضُ لحظاتٍ طارئةٍ نعيشُها في حيْرةٍ وذهول، كنسمةٍ عابرةٍ ضلتْ طريقَها.
نقولُها للحبِّ الذي ضاعَ بين السطورِ أو للرسائلِ التي سقطتْ عنها. كلماتُها.
للوقتِ الذي توقَّفَ وغابتْ عنه المسافات.
للألمِ الذي يقيمُ الفِراقَ سداً. ويعترضُ الحياة.
للواقعةِ الحيةِ التي تستحيلُ سؤالاً شارداً.. بلا جواب!
في مثلِ هذه اللحظاتِ الغادرةِ، غادرَنا الإمامُ السيدُ موسى الصدر من غيرِ وداعٍ وقد ضاقَتْ في صدرِهِ الآهاتُ وملَّهُ الانتظارُ، فمضى مسرعاً إلى حيث لا يدري، ليتركَ لنا وراءَه ذكرياتٍ وتساؤلات.
جاء كالحلمِ العابرِ في سماء لبنان.. ليحمِلَ همَّ المواطنِ على مِنكبيه.
طالبَ برفعِ الظلمِ والغبنِ اللاحقيْنِ بالبسطاءِ والفقراء.
خاطبَ الانسانَ الحرَّ في داخلِ كل إنسان، للانعتاقِ من الخوفِ والتبعية.
نزعَ الأحقادَ من صدورِ المؤمنين ليزرعَ فيها براعمَ إلفةٍ ووئام.
علمنا كيفَ نخرجُ من ذاتِنا القاصرةِ إلى ذاتٍ متحررةٍ ثائرة.
دلنا على مكامنِ الحبِّ والجمال، بتأكيدٍ أنَّ في نفوسِنا كلَّ حقٍ وخيرٍ وجمال.
كان هذا في سبعينيات القرن الماضي. وكأن التاريخَ توقَّفَ هناك لأننا ما زلنا حتى اليومَ، نحتاجُ إلى تعاليمِه الساميةِ ونهجِه القويم.. لإنقاذِ ما تبقَّى من الوطن!
لماذا يغادرُ من ملأ القلوبَ فرحاً وزرعَ في النفوسِ أملاً بالانتصار؟
كيف يُغيَّبُ من جاوزتْ روحُه الأنجمَ في بهائِها وسيلَ المكارمِ في سخائِها؟
كيف يقابلُ بالغدرِ من فتحَ قلبَه للتسامحِ، ووجَّهَ سيرَه بما يُرضي السماء؟
هل كان كثيراً علينا أن نحلَمَ؟ أم أننا لا نستحقُّ العبورَ إلى رحْبِ الفضاء؟
لم يكنْ الإمامُ الصدرُ إنساناً عادياً عابراً. فقد جذبَ الأنظارَ والإعجابَ من كل صوب. إلا أنَّه، لم يَرُقْ للبعضِ أن يلمعَ نجمُ هذا القائدِ الفذِّ، فأخذوا عليه أنه يثيرُ الناسَ ويحرِّضُهم على الثورةِ المسلحةِ موثقين انتقادَهم بالصورِ التي كانتْ تُنشرُ في الصحافة آنذاك، وتُبيّنُ رفاقَه من حولِه مدجَّجين بالسلاح.
وكان ردُّ الإمام السيد على المنتقدين بكل هدوءٍ ووقارٍ حيث قال: هؤلاء الرجال.. لم يُعلنوا ثورةً بوجه أحد، ولا هم بالحاقدين على أحد.. إن حملوا السلاحَ، فللإشارةِ إلى معاناتِهم من الغبنِ اللاحقِ بهم، ولا بديل عنه لإيصالِ صوتِهم إلى المعنيين الذين صُمَّتْ آذانُهم عن مطالبِ المستضعفين والمحرومين، من كلِّ مذهبٍ أو دين.. بالاختصار، كانت حركةُ الإمامِ القائدِ “ثورةً لاعنفيةً” وغايتها “كرامة الإنسان!”.
فالإمامُ الصدرُ الذي غُيِّبَ بالجسدِ، هو حاضرٌ أبداً في ضميرِ العقلاءِ الشرفاءِ وفي مواصلةِ الأوفياءِ لنهجِه وتعاليمِه الحيَّةِ على طريقِ المحبة.
طيَّبَ الله ذِكرَه وأعادَه سالماً.
ربَّ سائلٍ يقول: أين هي الطريقُ إلى المحبة..؟ وكأني بالإمامِ يجيبُ على الفور:
لا تذهبْ بعيداً في السؤالِ يا صديق.. فالمحبةُ ذاتُها، هي الطريق..!