كثيرة هي الأحداث التي عصفت بالمنطقة العربية نتيجة التحولات الكبرى التي شهدها العالم وتاثر بها بشكل مباشر الإقليم العربي في حقبة تاريخية خضعت لمنعطفات كبرى ، كان أخطرها تقسيم المنطقة العربية وإخضاعها للانتداب الفرنسي والانكليزي .
المؤرخ والكاتب والصحافي والمترجم اللبناني ابن بلدة رأس المتن لم ينظر إلى تلك الاحداث والتحولات نظرة متلقي الحدث والمنسجم مع سلطة الأمر الواقع، بل آثر أن يكون في طليعة الادباء والكتاب الذين قاوموا بالموقف والكلمة وقاوموا بالفكرة والبندقة ضد الانتداب، ثم ضد الاستعمار.
الحركة الوطنية العربية
ولعل كتابه واحد من أهم وأول الكتب التي تناولت تلك القضايا وتصدى لها حيث لم يقف مكتوف الأيدي أمام ما كان يجري، فكان واحداً من أبرز رجالات الحركة الوطنية العربية الفلسطينية، ولاعباً أساسياً في تأسيس حزب الاستقلال العربي وفي توفير مقومات الوحدة الفلسطينية الأردنية من خلال المؤتمرات المركزية التي انعقدت آنذاك، وعاش في القدس لربع قرن من النضال والكفاح ضد الاستعمار .
عجاج نويهض الذي جال كل البلدان العربية، لم تطأ قدماه أرض الغرب فلم يزر أي بلد أوروبي أو أمريكي، لكن له في كل بلد عربي مآثر وحكايات، انطلاقاً من مسقط رأسه لبنان مروراً بدمشق التي بدأت رحلته السياسية في ربوعها، وصولاً إلى القدس التي احتضنته وفتحت له قلبها وذراعيها ليمضي زهرة شبابه وثورته في تلك الأماكن، وليس انتهاءً بعمان العاصمة التي جعلها ملاذه بعد نكبة 1948، ليعود في أواخر خمسينيات القرن الماضي إلى بلد الأرز حتى مماته.”
مذكرات تاريخية
لعجاج نويهض مذكرات تاريخية اتسمت بالواقعية والموضوعية والدقة، وهي مذكرات شديدة الارتباط بمسيرة الشعب الفلسطيني وكفاحه ضد الاستعمار، حيث تروي الأحداث كما عاشها المؤلف، وبحرارة صانعيها من رجالات فلسطينيين وعرب، ساعده في توثيقها ومعايشتها وجوده إلى جانب مفتي فلسطين الحاج أمين الحسيني الذي عيّنه سكرتيراً عاماً للمجلس الإسلامي الأعلى في فلسطين وثم مفتشاً عاماً للمحاكم الشرعية الإسلامية. إذ شارك في مؤتمر في مكة بصفته أميناً عاماً لوفد فلسطين برئاسة الحاج أمين الحسيني.
تعد “مذكرات عجاج نويهض” المرجع الموثوق لتغطية تلك الفترة بأحداثها ووقائعها، ولقراءة وفهم التاريخ المعاصر بعين ناقدة وواعية استند اليها كبار المؤرخين بعده، وهي توثق حركة القوى السياسية التي كان لها الدول الموثر في مصير ما كان يجري سواء كانت قوى محلية أو أجنبية، من شخصيات بارزة وقادة سياسيين وقادة راي ورجال فكر وادب ورجال دين واعلام وزعماء .
وكان عجاج نويهض قد وثق هذه المذكرات مستعينا بابنته بيان نويهض الحوت في ربيع سنة 1980، حيث أملى عليها ما حفظته ذاكرته الفذة ليتوقف عن إملاء المذكرات عند حدود النكبة سنة 1948. أما مرحلة ما بعد النكبة وصولا الى سنة 1980 فقد عثرت عليها ابنته الدكتورة بيان في ملفاته وأوراقه الخاصة، حيث قدّم لهذه المذكرات ابنه الدكتور خلدون نويهض، وقد كان مثقفا بارزا هاجر الى فنزويلا نتيجة احداث النكبة واستطاع أن يحجز موقعا متقدما على المستوى الثقافي والاعلامي والتخصص الاكاديمي.
الانتقال الى دمشق
ولد عجاج نويهض في بلدة رأس المتن في جبل لبنان الجنوبي في العام 1897 وانهى دراسته في مدارسها، ثم انتقل الى دمشق عند قدوم الامير فيصل إلى سوريا فانتمى إلى النادي العربي الذي كان يضم شخصيات وقامات وازنة مثل عادل عسيران، علي رضا الركابي، ساطع الحصري، عبدالله النجار وغيرهم. إلا أنه وبعد احتلال الفرنسيين لسوريا وانتدابهم عليها ، ونتيجة لاحداث معركة ميسلون، انتقل الى القدس لايمانه بضرورة مقاومة الاستعمار لفلسطين بعد انكشاف المؤامرة عليها، فاكمل دراسته فيها في معهد الحقوق في القدس،وعمل محاميا فيها، وكان قد تزوج من ” جمال سليم نويهض” وانجبا ابنتهما بيان وابنهما خلدون.
بعد النكبة عقدت اربعة مؤتمرات لتتوج بقيام الوحدة بين ما تبقى من فلسطين مع الاردن في كل من عمّان وأريحا ورام الله ونابلس، حيث كان لعجاج نويهض الدور المحوري في انعقادها، خصوصا في المؤتمر الفلسطيني الذي انعقد في 1 تشرين الاول من العام 1948 في عمّان للبحث في وحدة الضفتين بحضور فلسطيني كبير وحضور عربي واردني انبثقت عنه لجنة تنفيذية فلسطينية لمتابعة الفكرة وتنفيذها حيث صدر عنه مقررات أبرزها الدعوة إلى وحدة أردنية – فلسطينية، دعوة الجيوش العربية إلى مواصلة القتال في فلسطين، دعوة الحكومات العربية إلى تزويد الفلسطينيين بالسلاح، الدعوة إلى مؤتمر فلسطيني (أوسع) يعلن فيه أهل فلسطين مبايعتهم الملك عبد الله ملكاً على فلسطين.
ومن ثم انعقد المؤتمر الثاني بعد شهرين بدعوة من الحاكم العسكري العام عمر مطر في مدينة أريحا برئاسة الشيخ محمد علي الجعبري خرج بمقترحات تدعو الى ضم ما تبقى من فلسطين اي ما عرف بالضفة الغربية من نهر الاردن الى الضفة الشرقية تحت التاج الهاشمي حيث ذهب الوفد الى قصر المصلى في الشونة والقى عجاج نويهض كلمة أمام الملك عبدالله قال فيها:” لقد اتفق المؤتمرون في اريحا على مبايعة جلالتكم لتكون بقية فلسطين تحت عرشكم. ثم انعقد المؤتمران الآخران في رامالله ونابلس تباعا حتى تمت الوحدة تحت راية التاج الهاشمي باسم المملكة الاردنية الهاشمية عام 1950.
مجلة العرب
أسس عجاج نويهض مجلة العرب في القدس حيث صدرت مدة ثلاثة أعوام ثم عدل عنها بناء على نصيحة المفتي كما عمل مراسلاً لجريدة الاهرام المصرية، ومديراً للإذاعة العربية في القدس أثناء الحرب العالمية الثانية، وشغل موقع مدير المطبوعات والنشر في الأردن.
ونتيجة احتلال القدس وتهجير الفلسطينيين ، حيث كان منزله في غربي القدس انتقل للعيش في الاردن حتى العام 1959 ليقرر العودة النهائية الى لبنان حتى وفاته في العام 1982 ابان الاستعمار لبيروت حيث لم يدفن في بلدته الا بعد خمسة ايام من وفاته فدفن في حديقة منزله في راس المتن.
صدر عن دار الاستقلال للدراسات والنشر، بمناسبة الذكرى الخامسة والعشرين لرحيل عجاج نويهض، كتابا بعنوان عجاج نويهض – رأس المتن تاريخ وذكريات. ومن مؤلفاته “التنوخيين، ستون عاماً مع القافلة العربية، عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ابو جعفر المنصور وعروبة لبنان، فتح القدس، رجال من فلسطين: بين بداية القرن حتى 1948، مطبعة الكرمل 1981، عدد من المقالات، مجلدين، ترجمة، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ترجمة كتاب حاضر العالم الإسلامي للأمريكي لوثروب ستودّارد.