على رابية مفتوحة على المدى، وعند بوابة الجنوب اللبناني، وقبالة حرمون الشامخ بجبل شيخه الأشم، وعلى مرمى نظر من الجليل وفلسطين المحتلة، وفي غمرة انبساطة سهل مرجعيون وعلو جبل عامل، تنتصب مدينة حاصبيا ذات التاريخ المجيد والموقع الاستراتيجي والمكانة المقدسة قدسية خلوة البياضة الشريفة قبلة الموحدين الدروز وكعبتهم، وخلواتها المنبسطة ببساطتها في حاصبيا وقراها، وكنائسها القديمة، فتتهادى وادعة بين هضاب وتلال وسهول وجداول ماء فاتحة قلبها لكل الحضارات التي عبرت، باسطة ذراعيها لكل من قصدها زائرا ومقيما من عائلات ضاربة في التاريخ، متجذرة في الانتماء، متآخية مع الجمال والطبيعة الساحرة، متعالية على الأعداء الذين غزوها فدمروا بعض معالمها ولكنهم لم ينالوا منها. فبقيت تعانق الجبال وتؤاخي الهضاب وتحتضن ما اكتنز التاريخ من آثار وعمران بحجارة قديمة شاهقة، وقلاع وقصور ودور عبادة وأسواق وقرميد.
اصل التسمية والموقع
ذكر الكاتب أنيس فريحة بأن اسم حاصبيا مأخوذ من كلمة سريانية تعني بلاد الفخار أو قرية الجرار.
كما ورد ذكر حاصبيا في العهد القديم، في سفر يشوع على أنها بلاد بني جاد، نسبة الى النصب الديني المقام عند أسفلها وهو عبارة عن مذبح للإله جاد أو بعل جاد. ودعيت حاصبيا على عهد بني يعقوب ببلاد بني رأوبين، أحد أخوة يوسف الصديق، والذي لم يزل قبره مزاراً للتبرّك في أسفل البلدة.
وورد في سفر يشوع إن سكان بلاد بني رأوبين وقفوا بوجه العبرانيين وتصدوا لملكهم شاوول ومنعوهم من التقدّم نحو حماه، حيث قاتلوا بشراسة للدفاع عن مقدّساتهم ومنها مذبح بعل جاد، حيث يقول المؤرخ الفرنسي رينيه داسو :”إن حاصبيا كانت مركزاً لعبادة البعل عند السوريين القدماء حيث أقيم نصب كبير لبعل جاد، أو كاد، وهو نفسه بعل حرمون الذي أعطى الموضع المذكور إسمه العظيم.
وتحدث عدد من المؤرخين الرومان واليونانيين عن قداسة بعل حرمون عند سكان اهل تلك البلاد، حيث تكمن اهميتها بأهمية قدسية مدينتي القدس ومكة
ويشير المؤرخ إبن العبري إن النبي شيت إبن آدم مع قدوم إبنه الى الحياة السعيدة التي كانت لأبويه في الجنة إنقطع الى جبل حرمون للعبادة والتنسُّك. يؤكد ذلك ان حاصبيا واحدة من البلدات الكبرى التي ارتبط اسمها برمز الوحدة السماوية في لبنان وهي التي تضم اربع كنائس تمثل الطوائف المسيحية قاطبة، وهناك كنيس للطائفة الموسوية اليهودية، وجامع للطائفة السنية، وخلوات البياضة لطائفة الموحدين الدروز.
حضارات متعددة
عرفت حاصبيا حضارات متعددة من كنعانيين وفينيقيين وعبرانيين ثم آراميين وأشوريين وفرس ويونان، وبعدهم العرب والأنباط الذين اعطوا اسمهم للنبطية، ثم الرومان والبيزنطيين الواضحة حيث تبدو آثارهم واضحة في أقسام السرايا الشهابية.
ويذكر الكاتب غالب سليقة في كتابه “تاريخ حاصبيا وما اليها” أن السيد المسيح لربما زار مع تلاميذه بلدة حاصبيا وقدّسها في أثناء تنقلاته التبشيرية ووصوله الى صيدا وصور وتعريجه على جبل التجلّي، جبل حرمون.”
ويُعتقد أن الصليبيين بقيادة الكونت ريمون دي سان جيل دخلوا حاصبيا في آذار العام 1099 قبل أن يتابعوا سيرهم الى القدس.
وفي الكتاب ذاته روى المؤرخ سليقة أنه سمع من بعض المشايخ الثقات أن حاصبيا كانت في البدء ديراً صغيراً مكان السرايا الشهابية وموقعه رأس البلدة، الأمر الذي يؤكد أن بعل جاد كان محل السرايا المذكورة. وقد حوّل الصليبيون حاصبيا الى بارونية تتبع صيدا إدارياً وقلعة الشقيف عسكرياً.
سادت علاقة ود وصداقة بين الأمراء الشهابيين والسلطان صلاح الدين الأيوبي ولما ساد النفور بين السلطان في مصر وسيده الملك نور الدين محمود زنكي وكان مركزه في دمشق، أعرب الشهابيون عن خوفهم وقلقهم، فاتخذوا قرارا بالذهاب الى مصر. لكن الملك طمأنهم فعدلوا عن رأيهم، واستقروا في وادي التيم، في بيداء ضهر الاحمر، في حين كان القسم الجنوبي من الوادي يتبع بارونية حاصبيا الصليبية.
استقدم الصليبيون حوالي 50 الف مقاتل بعد توجسهم مما حصل كما استعد الشهابيون للمعركة ايضا، فالتقى مقاتلو الطرفين في سوق الخان فدارت معركة عنيفة تمكن الشهابيون بعد ايام من المعركة من دخول حاصبيا واحتلال قلعتها وطرد الصليبيين، الامر الذي نال اعجاب السلطان صلاح الدين الايوبي الذي نسلم الحكم في دمشق، فولى الامير منقذ الشهابي على حاصبيا.
في مطلع القرن الرابع عشر اجتاح المغول وادي التيم فواجههم الأمير سعد الشهابي، وعاد الى حاصبيا بعد أن هدأت موجة المغول أمام ضربات المماليك وكانوا قد احرقوا حاصبيا، فأقام مع أهله خارج القرية وراحوا يصلحون البيوت ويقاومون وباءً شديداً أهلك كثيراً منهم وعلى رأسهم الأمير سعد الذي توفي العام 1321.
بعد معركة مرج دابق العام 1516 وتسلّم العثمانيين الحكم في بلادنا، أنعم السلطان سليم الأول على الأمير منصور الشهابي بحكم وادي التيم كما فعل مع الأمراء المعنيين في الشوف، وفي العام 1618، هب الأمير علي الشهابي من حاصبيا الى صيدا ليستقبل الأمير فخر الدين الثاني المعني العائد من بلاد الإفرنجة. وعندما قرر الامير فخر الدين محاربة آل سيفا سانده الأمير علي على رأس مجموعة من أبناء حاصبيا في ذلك الإنتصار الكبير.
وقع خلاف بين الاخوين احمد وعلي الشهابي فتدخل الامير فخر الدين وعقد صلحا بينهما في مشغرة فنال احمد القسم الاعلى من وادي التيم في راشيا وقراها، ونال علي وادي التيم الاسفل اي حاصبيا وقراها.
وفي معركة عين دارة العام 1711، عاضد الأمراء الشهابيون الأمير فخر الدين الثاني بأكثر من ألف مقاتل من سكان وادي التيم، فكانت الغلبة للمعني الكبير الذي، واعترافاً منه ببسالة مقاتلي وادي التيم وشجاعتهم، ولا سيما الأمير علي أمير حاصبيا، قدّم القسم الأكبر من مغانم الحرب الى الشهابيين.
في طريقه الى بانياس وبلاد عجلون، نزل الأمير فخر الدين الثاني، العام 1628 ضيفاً على الشهابيين في حاصبيا.
عندما أصدر السلطان العثماني مراد الرابع الأمر بالقضاء على الأمير فخر الدين الثاني وتطلعاته المستقبلية، جُرّدت عليه حملتان كبيرتان بحرية وبرية. ولما وصل أحمد كجك، قائد الحملة البرية، الى سعسع في سوريا، أرسل قسماً كبيراً من قواته الى حاصبيا بقصد التنكيل بأمراء آل شهاب الذين هرب العديد منهم الى الشوف. ثم أحرق حاصبيا وبعض القرى المحيطة بها، وتمركز في الخان قرب نهر الحاصباني، وعلى الضفة المقابلة من النهر عسكر الأمير علي بن فخر الدين الثاني، وكانت الموقعة الرهيبة، معركة سوق الخان، بين الطرفين والتي انتصر فيها أحمد كجك. ولما وصلت أخبار المعركة الى مسامع الأمير فخر الدين الثاني اختبأ في مغارة شقيف تيرون ثم انتقل الى مغارة جزين حيث اهتدى اليه أحمد كجك فأسره مع بقية أولاده وأرسلهم مخفورين الى اسطنبول حيث قتل بعد سنتين.
الشهابيون
عاد الشهابيون الى حاصبيا بعد حرقها وخرابها، واستتباب الحكم للأمير ملحم المعني في الشوف. وفي العام 1660، هبّ والي دمشق أحمد باشا الكوبرلي لقتال الأميرين الشهابيين على وادي التيم، علي أمير راشيا ومنصور أمير حاصبيا، فلجآ مع آل شهاب الى كسروان في حين اجتاحت قوات الوالي حاصبيا وراشيا فدكت ما فيها من عمران وحرقت وعاثت فسادا وخرابا فيها. والعام 1666 وبعدما استتبّ الحكم لآل معن في الشوف عاد الشهابيون الى حاصبيا وراشيا.
وفي العام 1684 توفي الأمير موسى أمير حاصبيا تاركاً الأمير حيدر الذي يعد مؤسس الحكم الشهابي في الشوف.
وبقيت حاصبيا، بعد تسلم الأمير حيدر إبن الأمير موسى الشهابي الحاصباني إمارة الشوف، ذات إستقلال سياسي وإداري عن هذه الإمارة.
الانتداب الفرنسي
في مطلع القرن العشرين انخرط وجهاء حاصبيا ومشايخها تحت لواء المملكة العربية عندما أعلن عن قيامها في دمشق برئاسة الملك فيصل ابن الشريف حسين. وكان سبق ذلك ذهاب وفود من وجهاء البلدة في السابع من حزيران 1919 لمقابلة لجنة كنغ – كراين المنبثقة عن مؤتمر الصلح في باريس والمطالبة بالاستقلال التام للبنان وسوريا معاً. ولما أُدخلت حاصبيا تحت الإنتداب الفرنسي تمرّد بعض أبناء حاصبيا فدخلوا السرايا الحكومية وأحرقوا السجلات.
وبموجب القرار الرقم 299 الذي أصدره في 3 آب 1920 الجنرال غورو الحاكم الفرنسي في بيروت، تمّ فصل الأقضية الأربعة حاصبيا وراشيا والبقاع وبعلبك عن ولاية سوريا. ثم بموجب القرار الرقم 318 أعلن غورو في 31 آب عن إنشاء دولة لبنان الكبير من متصرفية جبل لبنان والأقضية الأربعة المذكورة آنفاً وسناجق صيدا وبيروت وطرابلس. وكانت أولى بشائر تدخل الإنتداب الفرنسي في الشؤون الداخلية لدولة لبنان الكبير قرار الحاكم الفرنسي في صيدا شاربنتيه العام 1920 إلحاق حاصبيا بمركز القائمقامية، والذي كرّس رسمياً في التقسيم الإداري المحدث العام 1925 وذلك بجعل جديدة مرجعيون حاضرة قضاء. حينها تقدّم أهالي حاصبيا بعريضة إحتجاج موقّعة من معظم أبناء البلدة ومن مختلف مذاهبهم.
في مرحلة ثورة الدروز العام 1925 ضد الإنتداب الفرنسي، حيث كان لقضاء حاصبيا مصيب وافر من الثوار الذين اتخذوا بلدة حاصبيا قاعدة لهم، دخل الجيش الفرنسي الى القرية وأضرم النار في الكثير من بيوتها اضافة الى سرقتها ونهبها، ولم ينم أهل حاصبيا على الضيم، فشنّ رجال أشداء منهم هجمات متكرّرة على الفرنسيين المحتلين وأنزلوا فيهم خسائر فادحة. واستطاعوا بعد تسعة أشهر من مغادرتهم القسرية قريتهم، أن يعودوا اليها مطلع تموز 1926 بعد مفاوضات مع الحاكم العسكري وبإيعاز من السلطات العليا في باريس. أما خلال الحرب العالمية الثانية فقد كانت حاصبيا موئلاً وملاذاً لأهالي المنطقة الذين كانوا يتعرّضون لأقسى تجربة من جراء الصراع بين الحلفاء وقوات فيشي، وقد كتب القس حنا حردان في كتابه «الأخبار الشهية عن العائلات المرجعيونية التيمية» يصف تلك المرحلة: “عندما لجأ سكان مرجعيون الى حاصبيا كان في مقدّم الذين فتحوا صدورهم قبل منازلهم في وجه خاص الدروز من بني معروف أصحاب النخوة والنجدة والأريحة والمروءة فقطعوا الدليل الأكبر بأن أبناء الوطن في المحن سواء”.
الموقع والعائلات
تقع حاصبيا عند أسفل السفح الغربي لجبل الشيخ (حرمون) في جنوب شرق لبنان.
– تبعد عن بيروت 120 كلم.
– ترتفــع عن سطــح البحـر: بين 750 و850 م.
– مساحتها: 2556 هكتاراً.
– عدد سكانها: 14950 نسمة يقيم منهم في حاصبيا حوالى 10 آلاف.
– عدد أسرها: 1543 بمعدل 3.7 كمتوسط لعدد أفراد الأسرة الواحدة.
– نسبة الأمية فيها: 16.1٪.
– الجزء المزروع منها: 8.6 كلم2، فضلاً عن 3 كلم2 من الغابات والمراعي.
– زراعة الزيتون: 94.1٪ من مجمل الأراضي الزراعية.
– إنتاج الزيت الموسمي: 35 ألف تنكة.
أسماء العائلات في حاصبيا
العائلات الدرزية:
الخليل – الخماسي – القيس – أبو عمار – أبو عواد – الحمرا – النداف – الطير – أبو صمصم – بدوي – العيسمي – المبارك – أمين – أبو حمّد – بدر – الزغير – الكاخي – أبو غيدا – أبو طي – بدر الدين – الحرفاني – الصفدي – أبو دهن – أبو عاصي – بركات – الحرفوش – الحلبي – أبو ترابي – أبو حسان – جنبلاط – جبر – رعد – سابق – علمدين – مرداس – حسان – رافع – شروف – عز الدين – ملي – حامد – زويهد – شرف – علام – مصلح – حديفة – زلوم – شعيب – غيضة – مكنّا – خير الدين – زين الدين – صياغة – غشام – منذر – خطار – سليقة – صيموعة – فرزان – نمور – خير – خضر – سعسوع – عماشة – كزيلا – هزيمة – وهب.
العائلات المسيحية:
إن العائلات المقيمة في حاصبيا حالياً لا يتجاوز عددها عدد أصابع اليد، أما التي هي من أصل حاصباني، وبخاصة التي بقيت بعد أحداث 1860، فوافرة وهذا جدول بأسمائها:
آل غبريل – قطيط – الأميوني – أبو متى – اللحام – الحداد – أسبر – الشوفي – متري – زنقول – أبو ريحان – الشملاتي – الخوري – زكا – عاصي – صهيون – البواب – أبو جبور – أبو كلام – أبو عساف – البردويل – الحاوي – الخشن – الدبغي – الريس – الصفدي – العتيق – قروي – لحود – محفوظ – الشاب – غرة – استبريان – أبو جاموس – رحال – دعيبس – دقة – رافع – شبشب – حبيب.
العائلات المسلمة السنية الموجودة أو المنقرضة:
آل زهوي – الشيخ – الغفير – زين الدين – المر – أبو صالح – أبو كرنيب – شحادة – الصيداوي – نور الدين – صدقة – العطروني – الصالح.