تحتفظ الذاكرة الحديثة وسير الأبطال وتحديدا يوم 27 أيلول من العام 1964 لثائر جبل العرب نواف غزالة بلحظة تاريخية قرّر فيها أن يثأر لكرامة الموحدين الدروز وأبناء الجبل من طاغية الشام الرئيس الأسبق للجمهورية العربية السورية أديب الشيشكلي، الذي اغتصب السلطة بانقلاب عسكري ومؤامرة خبيثة اطاحت بالرئيس السوري سامي الحناوي، فما كان من نواف غزالة إلا الوفاء بالوعد الذي قطعه على نفسه بفقرر ملاحقته وقتله انتقاما لممارساته الاجرامية والمجازر التي ارتكبها بحق الشيوخ والاطفال والنساء والعائلات الدرزية في عدد من قرى جبل العرب، بعد ان تسلم الحكم، فكان له ما أراد، ووفى بالوعد والعهد للقضية التي ناضل من اجلها وخطط لتلك العملية البطولية بعد ان سافر الى البرازيل، المكان الذي لجأ اليه الشيشكلي خوفا من مصيره المشؤوم والموت المحتم، فطارده شبح الموت الى تلك البلاد ليقتل هناك.
ويقول حسن سليمان غزالي: “ان نواف توجه الى المزرعة التي يقطن فيها اديب الشيشكلي وسأله: اذا صدر عفو رئاسي فهل ستعود الى سوريا؟ ليجيبه: طبعا فخاطبه نواف غزالة فقال: أهلي شهداء ولن تستطيع أن تعود وانا لا زلت حيا وأطلق عليه خمس رصاصات من مسدسه صارخا: هذه الرصاصات من سلطان باشا الاطرش، فكانت كافية للايفاء بالوعد والنهاية الحتمية لكل طاغية وظالم.
وثمة رواية أخرى يرويها ويتداولها بعض اهل السويداء عن مكان مقتل الشيشكلي! ويروون “أن ام نواف وأخته قتلتا في الحملة التي شنها الشيشكلي على جبل الموحدين، فأقسم نواف أن ينتقم وأعطاه المقدم سليم حاطوم الضوء الاخضر لذلك، فلحق الشيشكلي الا الارجنتين وليس الى البرازيل، ودخل بيته وقتله في غرفة نومه حيث كان واقفا”، وقال له كلمته المشهورة في الجبل: ” دير وجهك يا أديب، نحنا مش متعودين نقتل الناس بظهورهم متل غيرنا”, فلما أدار وجهه قال له: ” انا نواف غزالي من السويدا جئت لأنتقم لأهلي الذين قتلتهم قبل أن يفرغ رصاصاته في صدر الشيشكلي.
لكن تبقى الرواية الأولى أكثر تداولا وقربا للحقيقة. لان السلطات البرازيلية كانت قد احتجزت أقاربه الى ان سلم نفسه بعد 18 يوما من قتل الشيشكلي، فاندفع حينها 20 محاميا للدفاع عن نواف غزالة.
ابن بلدة ملح
ولد الثائر نواف غزالي عام 1927 في قرية “ملح الصرار” التي تبعد عن السويداء 42 كلم، عمل في الزراعة لفترة معينة ثم سافر الى البرازيل وقطن في عاصمتها برازيليا في منتصف الخمسينيات حيث عمل فيها بالتجارة.
نواف غزالة، ابن عائلة عريقة لعبت دورا بارزا في الثورة السورية الكبرى، خصوصا في معركة الكفر واجداده هم حملة بيرق ملح ام الشهداء وجبل الشهداء.
ممارسات الشيشكلي
وكان الشيشكلي قد علم ان ثمة سلاحا يجمع في جبل العرب عن طريق الاردن والعراق تمهيدا لتنفيذ انقلاب ضده يدبره حزب الشعب وبيت الأطرش بالتنسيق مع الهاشميين، حتى ان الامور وصلت به لاتخاذه قرار اعتقال قائد الثورة السورية الكبرى سلطان باشا الاطرش، معلنا الحرب على الموحدين الدروز في الجبل، ودخل مدينة السويداء في 31 كانون الثاني 1954 بالدبابات والمدفعية والطائرات، فارتكب مجازر بشعة وفرض حصارا عسكريا، وحلّ مجلس النواب واخذ يضطهد الشعب السوري خصوصا الدروز ويزوّر برقيات تأييد له ولحكمه فأخذ احرار سورية يوزعون المناشير ضد حكمه وتعسفه فاعتقل الآلاف منهم، بينهم من كان يتعلم في الجامعات كالمناضلين منصور وناصر الاطرش وشبلي العيسمي وصياح المغوّش وسعيد وصالح ابو الحسن وسواهم ممن تسلموا بعد انتهاء حكم الطاغية مراكز عالية في زمن الوحدة وفي ثورة آذار عام 1963. وعندما فك اسرهم طلب من القائد العام للثورة السورية الكبرى سلطان باشا الاطرش بان يتعاون معه فرفض وقال له لا ترضيني باطلاق سراح اولادي من السجن وتسجن الشعب السوري باكمله.
هنا عاد الطاغية الشيشكلي الى دمشق وأمر باعتقال ابناء محافظة السويداء في محافظة دمشق وريفها واخذ يخطب بالجيش السوري ويقول لهم ان الدروز يريدون انشاء دولة مستقلة وامر الجيش بقصف الاحياء السكنية وقتل الناس بدون ذنب حيث استشهد المئات من ابطال الجبل واحراره من تلاميذ مدارس ونساء وعجزة، واراد ان يعتقل القائد سلطان باشا الاطرش فما كان من احرار الجبل العربي الا ان اسروا الكتيبة التي ارادت ان تقوم بهذا العمل المشين وجردوها من سلاحها فخطب بهم سلطان باشا الاطرش وقال لهم انتم ابناؤنا، وشعبنا حرر البلاد من الاستعمار لنبني جيشنا العظيم واعاد لهم سلاحهم وذهب الى الاردن لعدم اراقة الدماء، ولم يكتف الشيشكلي بهذا العمل المشين بل اخذ اسلحة اغتنمها الجيش في معارك ضد العدو الصهيوني من مستودعات الاسلحة واخذ يقول ان هذه الاسلحة الاسرائلية اخذناها من منازل الدروز للطعن في كرامة بني معروف الابطال ويضيف بان الدروز كانوا يريدون اقامة دولتهم لينفصلوا عن سورية.
رحيل الشيشكلي
عمت التظاهرات العديد من المدن السورية، ولم يتمكن الشيشكلي من السيطرة على الاوضاع فطلب من الحكومة اللبنانية ان تمنحه اللجوء السياسي فوصل اليها في 25 شباط من العام 1954 مسلما استقالته الى رئيس الأركان شوكت شقير، ثم غادر الى السعودية وبعدها الى فرنسا.
ثم تسلم السلطة في سوريا شكري القوتلي وحوكم الشيشكلي غيابيا بتهمة الخيانة فغادر عام 1960 الى البرازيل وأقام في مزرعة فيها الى ان تمكن البطل نواف غزالي من قتله آخذا بثأر الموحدين الدروز وغيرهم من ابناء تلك المنطقة.
في 20\11\ 2005 فارق نواف غزالة الحياة عن عمر ثمانين عاما، وأعيد جثمانه من البرازيل ليدفن في مسقط رأسه (ملح الصرار) بعدما ثأر لاهالي السويداء قبل أكثر من 50 عاما وقد استقبل عشرات الالاف من الموحدين الدروز جثمانه استقبال الأبطال، وأقيم له مأتم شعبي حاشد.