ولد الشيخ أبو محمد صالح العنداري في بلدة العبادية في العام ١٩١٣، في بيت أساسه التوحيد والخير والبركة والتقوى، إبناً للشيخ أبو علي بشير العنداري، ووالدته السيخة التقية أم علي زين، كريمة المرحوم الشيخ منصور العنداري، قاسى من نوائب الدهر، فقد توفي والده وشقيقان يكبراه وهو تحت العاشرة من عمره، وشبّ مؤمناً بالله تحت كنف والدته الفاضلة.
استطاع أن يشقّ طريقه ويكبر معتمداً على الله عز وجل، وعلى قدراته ومواهبه وتمسّكه بأهداب الدين وتبحّره فيه.
توفيت زوجته في العام ١٩٤٨، وقدّ عاش بقية حياته بتولياً رغم ترمله الباكر، متفرغاً للأمور الدينية وللعبادة ولمصاحبة إخوان الدين. وقد كرّس وقتاً كبيراً لبثّ المحبة والوِفاق بين الناس في كل مكان.
عندما وقعت الحرب الأهلية، قام المعتدون بالهجوم على المواقع الدينية التوحيدية. وقف الشيخ أبو محمد وقفة الأبطال، حاملاً البندقية بشكل رمزي، حاثّا الشباب والمشايخ على الصمود من أجل العرض والأرض والكيان والحرية والدين.
الوفاق والعيش المشترك
كان الشيخ أبو محمد يصرف وقتا طويلاً من حياته في إصلاح ذات البين بين الناس، فكان همّه الأول الوفاق والرضا والمحبة والصفاء في المجتمع، وكان ينادي بالعيش المشترك ورمي الأحقاد التي تثيرها الطائفية في لبنان. كان كثير المناقب الدينية، غنياً بخصاله التوحيدية وأفكاره الشريفة، وصاحب مواقف صلبة واضحة.
كذلك كان دقيقاً في المحافظة على آداب الجوارح، صادقاً في أقواله وأفعاله، رزيناً بعيداً عن الهزل والاستهزاء يتورّع عن حلف اليمين، وكان شديد الورع في الباطن على نفسه، وفي الظاهر بأقواله وأفعاله، وكان يدقق في الأمور الصغيرة، كما في الكبيرة، وكان حريصاً على تهذيب نفسه لتقوى على قهر الطبائع الضدية، ولتكون قابلة لشعاع نور الحكمة الربانية. كذلك كان شديد الاحترام والتقدير للأوامر الدينية، وحريصاً على تطبيق فروضها ونواهيها، وكان يعظّم مقامات الأولياء والأنبياء، ويميل إلى الانفراد والخلوة.
كان لا يهتم بأمر مأكله ومشربه، فكان قوته ما حضر، وأكثر طعامه مما تيسّر من مزروعات أرضه، وكان همه أن يكون طعامه حلالاً. لحق المرض بجسد الشيخ أبو محمد مما أقعده، لكنه ظل يقظاً يتابع أخبار أبناء طائفته ومعارفه في كل مكان. وقد أسلم الروح وانتقل الى رحمته تعالى في اليوم الثاني عشر من شهر كانون الأول في العام ١٩٩٢. وجرت له جنازة شارك فيها عشرات آلاف المشيعين من لبنان وسوريا ودُفن في منزله في بلدة بعلشميه كما أقيم له ضريح يزوره الناس للتبرك، وعلى الضريح شاهدان، كُتبت على أحدهما آية الكرسي، وعلى الآخر تاريخ وفاته نثراً ونظماً، والكتابتان من إعداد الشيخ أبو يوسف صالح عبد الخالق والشعر كما يلي:
علم الفضائل مذ ثوى عمّ الورى خطب المصاب
فأبو محمد صالح ركن التقى نال الثواب
فيه السيادة تُوّجت بزكاة علم واكتساب
للعلم الأعلى سما بشراه يا نعم المآب
بالطهر أرّخ جهده بدر العلا بالحُجب غاب
إعداد الشيخ مكرم المصري