المضافة تقليد أصيل متوارث في جبل العرب، لعبت دوراً حاسماً في الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية لأبناء الجبل، وكرست القيم العربية المتوارثة عن الآباء والأجداد كالشجاعة والكرم وإغاثة الملهوف وإكرام الضيف وحماية الجار وحفظ المواثيق والعهود فضلا عن دورها في الحياة العامة والمناسبات الاجتماعية والثقافية، وكانت شاهداً ومكاناً لأحداث تاريخية مهمة.
وعلى الرغم من التطور الذي طرأ على المجتمع في العقود الأخيرة، إلا أن المضافة لاتزال جزءاً أساسياً من نظام السكن خاصة في الأرياف، فيما عمدت العائلات الكبرى في المدن إلى إنشاء مضافة لكل منها وبقي دورها مستمر في الحياة الاجتماعية والثقافية والشأن العام.
وارتبطت بعض المضافات العريقة بأحداث تاريخية كبرى كمضافة خليل الجرمقاني الشهيرة في بلدة عرمان والتي شهدت سحق أول فصيل عثماني وقاد ذلك إلى معارك عديدة أهمها معركة خراب عرمان التي سحق فيها ثوار الجبل حملة ممدوح باشا1896م، ومضافة الشيخ واكد زهر الدين في الصورة الكبيرة التي جردت فيها بيارق الجبل لحماية ضيف الجبل أمير حائل سلطان الرشيد الملاحق من والي دمشق والمطلوب عرفياً للباب العالي وذلك في العام 1906، ومضافة الشيخ أبو علي مصطفى الأطرش التي استضافته طيلة ثلاثة أشهر، لحين عودته بسلام إلى بلاده.
واستقبلت مضافة الشاعر والمجاهد معذى المغوش في خلخلة قادة النهضة العربية أمثال الشهيد عبد الغني العريسي وتوفيق البساط الذين علقوا على أعواد المشانق عام 1916م، ومضافة المجاهد حمد البربور في أم الرمان التي كانت مركزاً للنشاط الثوري العربي مع نسيب البكري المكلف من الشريف حسين أبان الثورة العربية الكبرى، ومضافة سلطان باشا الأطرش القائد العام للثورة السورية الكبرى التي احتفل فيها عدد كبير من أحرار العرب وقادة النهضة برفع العلم العربي لأول مرة فوق منزل سلطان باشا الأطرش في ربيع عام 1917م وأعلنت منطقة القريا -السويداء محررة من الاحتلال التركي، قبل تحرير دمشق عام ورفعه في سمائها.
وترسخ الدور الوطني للمضافة خلال مرحلة الاحتلال الفرنسي الذي صب حقده على كبرى المضافات في مختلف القرى واعتبرها سبباً في فشل سياسته الاستعمارية فتعرضت مضافة قائد الثورة السورية الكبرى سلطان باشا الأطرش للقصف بالطيران الحربي وهدمت والتي كرست معاني وقيم جبل العرب، وكان قد قصدها عدد كبير من القادة والمناضلين خاصة المناضل إبراهيم هنانو قائد ثورة الشمال والثائر أدهم خنجر من جبل عامل في لبنان وقد كان اعتقاله من الفرنسيين سبباً كافياً لقيام ثورة سلطان الأولى على الفرنسيين عام 1922م”.