وُلد كمال جنبلاط في 6 كانون الأول/ ديسمبر عام 1917، وهو أحد أهم زعامات طائفة الموحدين الدروز في لبنان إضافةً إلى كونه مفكرًا وفيلسوفًا.
كان زعيمًا للحركة الوطنية في لبنان في بدايات الحرب الأهلية اللبنانية، وأحد مؤسسي الحزب التقدمي الاشتراكي، ويعتبر من الشخصيات اللبنانية المعروفة بدعمها للقضية الفلسطينية. اغتيل في 16 آذار/ مارس عام 1977، وخلفه في زعامته ابنه وليد جنبلاط.
ويعد من كمال جنبلاط من أهم الزعماء السياسيين في لبنان والشرق الأوسط في القرن العشرين، عُرف بمواقفه الوطنية ومناصرته للقضية الفلسطينية في جميع المحافل، كان كمال جنبلاط علامةً من الطراز الرفيع وذو ثقافةٍ موسوعيةٍ عظيمة ومؤلفًا للعديد من الآثار.
بدايات كمال جنبلاط
وُلد كمال جنبلاط في بلدة المختارة بقضاء الشوف في لبنان. وهو سليل عائلةٍ ورثت الإمارة والشهرة والثروة. والده فؤاد بك جنبلاط اغتيل في 6 آب/ أغسطس عام 1921 وكان قائم مقام لقضاء الشوف أيام الانتداب الفرنسي على لبنان.
لم تأتِ مورثات جنبلاط القيادية من والده فؤاد فحسب، بل إن والدته هي نظيرة جنبلاط، وقد اختارها الجنبلاطيون زعيمةً تتكلم باسمهم بعد موت زوجها، وكانت تقيم في قصر المختارة، وقد استطاعت أن توفق بين دورها كأم عليها أن تحتضن ولديها كمال وليندا- ولها طفلةٌ أخرى سُميت ليلى توفيت بالحمى وهي في الرابعة من عمرها- وبين دورها السياسي الذي خولها أن تكون الحاكم الذي ملأ الفراغ الذي خلفه زوجها، وقد استطاعت أن تؤثر في الدروز وأن تحظى برضى الأكثرية مستمدةً قوتها من علاقتها المتينة بالفرنسيين.
تلقى كمال جنبلاط علومه الأولية على يد مربيةٍ خاصة في المختارة تدعى ماري غريب من الدامور وهي خريجة الفرنسيسكان، ثم التحق بمعهد الآباء العازاريين في كسروان عام 1926 وذلك بناءً على مشورة المطران أوغسطين البستاني صديق العائلة الخاص، ونال الشهادة الابتدائية عام 1928، وقد بقي في المعهد حتى عام 1937 وكان معه خادمه الخاص الذي يهتم بشؤونه ويرافقه دومًا.
كره جنبلاط السياسة وأراد دراسة الهندسة، إلا أنّ القول الفصل كان لوالدته التي أرادت إعداده للسياسة، فأرسلته لدراسة الحقوق في جامعة السوربون في باريس عام 1938، كما التحق هناك بمعاهد الفلسفة وعلم النفس وعلم الاجتماع، ونال شهاداتٍ في تلك التخصصات، إلا أنّ اندلاع الحرب العالمية الثانية أجبره على العودة إلى لبنان، ليتابع دراسة الحقوق في الجامعة اليسوعية.
حياة كمال جنبلاط الشخصية
اقترن كمال جنبلاط في الأول من شهر أيار/ مايو عام 1948 بمي ابنة الأمير شكيب أرسلان وهي ذات ثقافةٍ عالية، رزق منها بوحيده وليد في 7 آب/ أغسطس عام 1949.
حقائق عن كمال جنبلاط
- بدأ كتابة الشعر باللغتين العربية والفرنسية وهو في السادسة عشر من عمره.
- كان ميالاً للرياضيات والعلوم التطبيقية كالجبر والهندسة والفيزياء، وكان ينوي التخصص في الهندسة والسفر إلى بلدان أفريقية للمساهمة بإعمارها.
- كان حلمه أن يصبح طبيبًا، ولما لم يتسنى له ذلك، اكتشف الطب بمنحىً آخر وذلك بالاطلاع على المداواة بالنبات وبعشبة القمح خصوصًا.خلال إقامته في فرنسا تتلمذ على يد العالم الاجتماعي غورفيتش ومعه أنجز شهادته في علم الاجتماع.
- أنشأ معملاً كيميائيًا في المختارة، وصب آلات المعمل بنفسه في لبنان، وقام بتركيبها بنفسه، ويُذكر أنه اخترع آلةً لتحويل غاز أسيد الكلور وتذويبه في الماء.درس مادة الاقتصاد في فتراتٍ متقطعة في كلية الحقوق والعلوم السياسية والاقتصادية في الجامعة اللبنانية بدءًا من العام 1960.
- كان يجيد ثلاث لغات، الإنكليزية والفرنسية والعربية، وكان ملمًا باللغات الهندية واللاتينية والإسبانية والإيطالية.قرأ القرآن والإنجيل والتوراة وكتب التوحيد والفيدا فيدانتا الهندية، وعرف بتقديره للصوفية.
- اغتيلت شقيقته ليندا زوجة حكمت جنبلاط في منزلها في بيروت في 27 أيار/ مايو 1976، قبل اغتياله بأقل من عام.
اعتيال كمال جنبلاط
اغتِيل في السادس عشر من شهر آذار/ مارس عام 1977، مع مرافقيه فوزي شديد وحافظ الغصيني، وقد كان ذلك عند مدخل بلدة دير دوريت في الشوف وبالقرب من حاجز للجيش السوري المنضوي تحت قوات الردع العربية، والسيارة التي اغتالته تحمل لوحة أرقام ٍعراقية.
كان كمال جنبلاط متحدثًا عظيمًا في المحافل الدولية، فكان يطل على الجماهير وفي جعبته العديد من القضايا، آمن بالعلم كحلٍ لمشاكل شعوب العالم الثالث، وجاب العالم لشرح قضيته ونصرةً لها، كما كان يتفقد المخيمات الفلسطينية في لبنان بين الفينة والأخرى، وقد تقلد وسام لينين للسلام. وذهب إلى الهند في رحلةٍ دينية. له مؤلفاتٌ كثيرة في الفلسفة والسياسة منها آفاق نورانية، فلسفة العقل المتخطي- فلسفة التغيير- الجدليات. تمنياتي لإنسان الغد، الفلسفة واليوغا في بلاد الحكماء ونصوص في النظم الاقتصادية
إنجازات كمال جنبلاط
- شكّل جنبلاط جمعيةً تعاونيةً استهلاكية لإنقاذ الناس من العوز الذي ألمّ بهم جراء الحرب العالمية الثانية، ومن الأمور التي تذكر حوله أنه في العام 1933 شكل وفدًا مع رفاقه لمقابلة الأب شارلوت وطلب منه وضع العلم اللبناني على برج معهد عينطورة بدلاً من العادة المتبعة في الدير آنذاك، والتي تقضي برفع العلم الفرنسي أيام الآحاد والأعياد على برج المدرسة.
- جرت مبايعته بالزعامة عام 1943 بعد موت ابن عمه حكمت جنبلاط وذلك فور انتهاء مراسم الدفن، وكان عمره ما يزال 25 عامًا، وفاز في العام نفسه بالانتخابات النيابية ودخل المعترك السياسي، وأعلن على الملأ معاداته لقوى الانتداب الفرنسي في لبنان ووقوفه إلى جانب حكومة الاستقلال. وبذلك خط كمال جنبلاط خطًا سياسيًا جديدًا خرج عمّا كان مألوفًا أيام والدته التي عُرفت بعلاقتها المتينة مع قوى الانتداب وميلها نحو الطبقات البورجوازية، ودعمها العائلات الارستقراطية.
- بعد الاستقلال تابع كمال جنبلاط خطه السياسي، مشددًا على وجوب المحافظة على الاستقلال، ودخل عدة وزارات مشاركًا في الحكومة. وفي عام 1947، بدأ مرحلة المعارضة السياسية بعد أن اكتشف عمق الفساد والرشوة والفوضى التي تتخبط بها البلاد.
- في 17 آذار/ مارس عام 1949، أسس كمال الحزب التقدمي الاشتراكي رسميًا، وفي الأول من أيار/ مايو عام 1949، أعلن ميثاقه هو ورفاقه: ألبير أديب، وفريد جبران، والشيخ عبد الله العلايلي، وفؤاد رزق، وجورج حنا. وقد أعلن أن غاية الحزب هي السعي لبناء مجتمع على أساس الديمقراطية الصحيحة تسود فيه الطمأنينة الاجتماعية والعدل والرخاء والحرية والسلم، ويؤمن حقوق الإنسان التي أقرها ميثاق الأمم المتحدة ومن ضمنها لبنان.
- في عام 1951 أسّس الجبهة الاشتراكية الوطنية لمحاربة الفساد الداخلي في لبنان، ثم دعا باسم الحزب التقدمي الاشتراكي إلى مؤتمرٍ للأحزاب الاشتراكية العربية، عُقد المؤتمر في بيروت في أيار/ مايو عام 1951، كما مثل لبنان في مؤتمر حرية الثقافة الذي عُقد في سويسرا في حزيران/ يونيو عام 1952.
- استمر كمال جنبلاط في مواقفه الوطنية والقومية والإنسانية من منطلقٍ مبدئي ثابت، حيث عقد في آب/ أغسطس عام 1952 مؤتمرًا وطنبًا في دير القمر باسم الجبهة الاشتراكية الوطنية، مطالبًا رئيس الجمهورية بشارة الخوري بالاستقالة. وفي أيلول/ سبتمبر من العام نفسه استقال الخوري، وجرى انتخاب كميل شمعون رئيس الجبهة رئيسًا للجمهورية، لكنه اختلف معه في العام التالي لعدم التزام شمعون بمقررات المؤتمر ولا ببرنامج الجبهة، بعد ذلك أسس الجبهة الاشتراكية الشعبية المعارضة لعهد كميل شمعون في أيلول/ سبتمبر 1953، وشارك في مؤتمر الأحزاب العربية المعارضة الذي عُقد في بيروت في أيلول/ سبتمبر عام 1954، وساند كفاح مصر ضد العدوان الثلاثي عام 1956، وأسهم بشكلٍ مباشر في إعادة إعمار ما تهدم من لبنان إثر زلزال عام 1956. كما قاد انتفاضةً شعبيةً عارمة عامي 1957-1958 سياسيًا وعسكريًا ضد عهد كميل شمعون الذي حاول ربط لبنان بالأحلاف الاستعمارية، وكان يستند في ذلك إلى عبد الناصر، وعلى أساس هذه الانتفاضة أيد انتخاب فؤاد شهاب رئيسًا للجمهورية اللبنانية في أيلول/ سبتمبر عام 1958، وزاول مهامه معاونًا له ومن بعده معاونًا للرئيس شارل الحلو حتى عام 1973.
- أسس كمال جنبلاط جبهة النضال الوطني عام 1960، ووضع نواة جبهة الأحزاب والقوى التقدمية والشخصيات الوطنية عام 1965، ثم مثل لبنان عام 1966 في مؤتمر التضامن الآسيوي الأفريقي، وترأس وفدًا برلمانيا إلى الصين الشعبية، وكان موقفه صلبًا تجاه نصرة الجزائر في نضالها ضد الاستعمار الفرنسي.
- وعندما شنت اسرائيل حربها على الدول العربية عام 1967، وقف كمال جنبلاط إلى جانب مصر وسوريا والأردن، وأيّد القضية العادلة للشعب الفلسطيني، ثم ترأس اللجنة العربية لتخليد جمال عبد الناصر عام 1973، كما انتُخب بالإجماع أمينًا عامًا للجبهة العربية المشاركة في الثورة الفلسطينية في العام نفسه. وتصدى عام 1975-1976 للمؤامرة الصهيونية الانعزالية في لبنان، وقاد نضال الحركة الوطنية اللبنانية معلنًا برنامج إصلاحٍ مرحلي للنظام السياسي في آب/ أغسطس من عام 1975، وتأسيس المجلس المركزي للأحزاب الوطنية التقدمية.