محمد باشا عز الدين الحلبي مجاهد كبير لعب دورا مهما في تاريخ جبل العرب، مثل سورية الكبرى في مجلس المبعوثان في الإمبراطورية العثمانية وكان قاض عسكري، وشارك في الثورة السورية الكبرى وكان من قادتها، وعين نائباً عاماً ومديراً عاماً لعدلية الجبل.
ولد المجاهد البطل محمد باشا عز الدين في قرية لاهثة عام 1889، وتلقى علومه العالية القانونية والعسكرية في “الأستانة بتركيا” وتخرج في كليتها الحربية، وكان يتقن اللغتين التركية والفرنسية إلى جانب إتقانه اللغة العربية.
نال الحلبي عدة أوسمة رفيعة في حياته العسكرية والمدنية، قاد العديد من الحركات الوطنية الثورية، وانضم في مطلع شبابه إلى حزب الاستقلال العربي الذي كان من أعضائه البارزين الرئيس “شكري القوتلي” والمرحوم الأمير “عادل أرسلان”.
بدأ حياته العملية مرافقاً فخرياً برتبة رئيس للسلطان “محمد الخامس”، ثم نقل بعدها إلى دائرة أركان الحرب، ورقي إلى “رتبة مقدم” وعهد إليه بقيادة كتيبة “دوما” الاحتياطية عام 1911.
ولما رأى ما قام به الأتراك من أعمال عدوانية ضد العرب ومظالم الأتراك في كل أنحاء سورية وشنق بعض الوجهاء الوطنيين وهم: “ذوقان الأطرش، يحيى عامر، مزيد عامر، محمد القلعاني، حمد المغوّش، أبو هلال هزاع عز الدين” عم المجاهد “محمد عز الدين” وذلك في شهر آذار عام 1911 في ساحة “المرجة بدمشق”، نشأ بينه وبين وزير الدفاع التركي خلاف كبير استقال بعده من وظيفته العسكرية عام 1912 رافضاً بشدة هذه المواقف العدائية.
مثل سورية الكبرى في مجلس المبعوثان في استانبول عام 1915، و في عام 1917 عيّن قاضي تحقيق عسكري وكان مثال القاضي الصالح والحاكم العادل، ثم رفع إلى القائمقامية عام 1918 في العهد الفيصلي وتولى أقضية “العمرانية، وراشيا، وحاصبيا، والزبداني، وازرع”، ثم عهد إليه بمتصرفية “درعا” في 20 تشرين الثاني عام 1920 وحتى شباط 1921، كما أسند إليه في العهد الفيصلي إضافة إلى وظائفه قيادة المنطقة الحربية في “الزبداني” واشترك في معركة “ميسلون” الشهيرة بقيادة وزير الدفاع السوري آنذاك البطل “يوسف العظمة” والذي استشهد في تلك المعركة.
في عام 1923 عين نائباً عاماً ومديراً عاماً لعدلية جبل الدروز، بدأ يقوم باتصالات سرية مع رجالات سورية المخلصين حتى بدء قيام الثورة السورية الكبرى عام 1925 حيث عهد إليه قائد الثورة المرحوم “سلطان باشا الأطرش” بقيادة معارك الغوطة واللجاة.
قاد الحلبي معركة “اللجاة” التي جرح فيها جرحاً بليغاً في كتفه، ومعركة “لاهثة” ، وكذلك معركة “مجادل”، و”صميد”ً، وتل الخالدية شرقاً، و”المسمية” في حوران إلى الغرب الشمالي منها، إضافة الى مشاركته بمعركة “المسيفرة” عام 1925 التي فقد فرسه فيها والتي كان من المخططين الأساسيين لها.
كما قاد معركة الزور الثانية في 17 تشرين الثاني 1925 في غوطة دمشق” حيث رابط مع المجاهدين في طريق “جرمانا” واتبعوا العدو بالنار والسيف حتى أوصلوه إلى أبواب “دمشق”، وقاد معركة “حمورة” في “غوطة دمشق” في 17 كانون الأول عام 1925، ومعركة “جوبر والمليحة” عام 1925، ومعركة “يلدا” ومعركة “زاوية الحمرا” قرب “داريا”، ومعركة “مئذنة الشحم، والميدان، والبوابة، وعربين، وحرستا، وجسر تورا، وشبعا، وجوبر مطلع عام 1926 والتي حصل في نهايتها حادثة ملفتة للنظر حيث لم يتمالك حسن الخراط نفسه فتقدم يقبل شاربي محمد عز الدين الحلبي إعجابا ً بما أبداه من بطولة و اعترف الخراط بأنه لم يخض المعركة و قد أعطى بندقيته لأحد المجاهدين لأن بصره لم يعد يساعده على التسديد ، أيضا معارك النصف الثاني من عام 1926، وأهمها: معارك “برزة، ودوما، وعقربا، ويلدا ، وداريا”.
وبعد أن توقفت الثورة نتيجة الحشد الفرنسي الكبير لقواتها في الجبل ونتيجة نقص الذخيرة وتوقف مرورها عبر دول الجوار، نزح الحلبي مع القائد العام للثورة السورية الكبرى “سلطان باشا الأطرش” وعدد من المجاهدين إلى “الأزرق” في “الأردن” ومنها إلى “النبك ووادي السرحان في المملكة العربية السعودية”، وقد حكم عليه غيابياً بالإعدام وأمضى في الصحراء اثني عشر عاماً مبعداً مع رفاقه المجاهدين وزار خلال هذه المدة “مصر، والحجاز، والعراق”، ولقي من المسؤولين آنذاك كل حفاوة وتكريم، وعاد إلى “الحجاز” عام 1932 بطلب من جلالة الملك “عبد العزيز آل سعود” وراح يتصل بعدد من الزعماء السوريين ليطلعهم على أحوال المجاهدين، وبقي معهم حتى عام 1937 حيث صدر العفو عنهم من قبل الفرنسيين المستعمرين وعادوا إلى الوطن، لينتخب نائباً عن قضاء “شهبا” عام 1939.
أحيل إلى التقاعد عام 1944 بناءً على طلبه، وفي عام 1945، أسهم بدور كبير في إلغاء الاستقلالين المالي والإداري بالجبل لإلحاقه بسورية الأم، وترأس حركات تحررية شعبية خلدها له التاريخ، حتى وفاته في آذار من عام 1958 ودفن في مدينة “السويداء”.
وفي حفل تأبين الحلبي الذي شارك فيه العديد من الأطياف الاجتماعية والسياسية من داخل وخارج الوطن، خاطب المغفور له سلطان باشا الأطرش قائد الجيش آنذاك “عفيف البزري” وقال له “يا عفيف كرموا المجاهد أبو توفيق محمد عز الدين لأنه يستحق الكرامة والتكريم، فأنا اليوم فقدت ساعدي الأيمن”.
عندها تقدم قائد الجيش الأول مستلاً سيفه وانحنى أمام الجثمان احتراماً وتقديراً لنضاله.
في عام 2006 تم نقل جثمان المجاهد الكبير إلى بلدته “لاهثة” حيث شيد له المخرج “حسن عز الدين” نصباً تذكارياً كتب عليه العبارة التالية: “الشعوب التي تنسى تاريخها محكوم عليها بالموت”، وزرع على لوحة نحاسية أسماء شهداء قريته ورفاقه في النضال، وجرى تدشين النصب في 11 أيار 2006 في حفل رسمي وشعبي كبير.