كلّف سماحة شيخ العقل لطائفة الموحدين الدروز الشيخ الدكتور سامي أبي المنى مستشاره عضو المجلس المذهبي الشيخ فادي العطار تمثيله في اللقاء الطلابي في مدرسة Raouf Abi Ghanem School في كفرنبرخ الشوف، حيث ألقى كلمة توجيهية بالمناسبة.
جاء فيها: بسم الله الرحمن الرحيم
أمّا الوفاءُ التحدّي فهو مدرسةٌ
ومسلكٌ قائمٌ بالعلم والشيمِ
وهو انتصارُ سلامِ الرُّوحِ في دَمنا
لا الحقدُ والحربُ في دوّامةِ الأممِ
لبنانُنا إرثُهُ الغالي يوحّدُنا
فوقَ الدماءِ ونزفِ الروحِ والألمِ
لبنانُنا واحدٌ فينا وفي فَمهِ
أحلى الكلامِ بأحلى منطقٍ وفمِ
كما حَميناهُ يوماً بالسيوفِ فدىً
نحميهِ،دوماً،بسيفِ العلمِ والقِيَمِ
حضرة مديرة مدرسة المربي رؤوف أبي غانم الرسمية
الهيئة التعليمية المقدرة
الطلاب الأعزاء وأولياء أمورهم الكرام.
الضيوف الأحباء طلاب بيت اليتيم الدرزي في عبيه, الأستاذة رانيا بوحسن
زملائي في المجلس المذهبي
رؤساء البلدية السابقين، المخاتير،
الفاعليات المشاركة.
أيها الحضور الكريم.
بدايةً أودُّ أن انقلَ لكم جميعاً الدعاء بالتوفيق مصحوباً بتحيةِ محبةٍ وتقدير من صاحبِ السماحة شيخ العقل لطائفة الموحدين الدروز الشيخ الدكتور سامي أبي المنى الذي أبدى الكثيرَ من السرورِ مثمِّنا هذه الخطوةِ المشكورة التي قامت بها إدارة المدرسة من خلالِ استضافةِ مجموعة من طلاب بيت اليتيم الدرزي في عبيه مباركاً في الوقت ذاتِه للطلاب الناجحين راجياً لهم دوام التقدم والنجاح والمزيد من الإنجازات التربويةِ المتقدمة لمدرستِنا المتمثلة بإدارتها وهيئتها التعليمية وطلابها الاحباء.
نلتقي اليومَ في هذا المكان الذي يعني لي شخصياً الكثير، إنها المدرسةُ التي تعلمتُ في صفوفِها وما زلتُ أحمل في ذاكرتي أجملَ الذكريات التي ترسخّت في داخلي،
أجملَ الذكريات التي عشتُها بين رفاقي وأساتذتي الذين لا أنسى أفضالَهم عليّ وعلى الكثيرين من أبناء بلدتي والقرى المجاورة، وعندما أقرأ الإسمَ المستحدثَ للمدرسة منذ سنواتٍ. وكان ذلك في عهدِ رئيس بلدية كفرنبرخ السابق الصديق بهيج الدلغان مشكوراً حيثُ تحولتِ التسميةُ آنذاك من مدرسة كفرنبرخ الرسمية إلى مدرسة المربي رؤوف أبي غانم الرسمية وذلك لم يكن سوى لفتةَ شكرٍ ووفاء لقامة ٍمن قاماتِ البلدة التربوية والإنسانية والإجتماعية التي كانت وستبقى في ذاكرتنا.
ومنذ أسابيعَ خلتْ خسرتْ كفرنبرخ أحد معلّمي مدرستِها السابقين، الرجلُ الخلوقُ الذي كان محباً لبلدته، حريصاً على أبنائها، وفياً لرسالته التعليمية السامية، مربياً صالحاً، حملَ في قلبِه وعلى لسانه الخيرَ والمحبةَ والإنسانية إنه فقيدُ بلدتنا المرحوم الأستاذ شفيق نصر الذي نفتقدُه اليومَ وفي كل يومٍ لأنه كان يمثّلُ القدوةَ والمثال في مجتمعه وبين أهله .
وعندما نقولُ القدوةَ نجدُ المجالَ مفتوحاً أمامَنا للغوص فيما تحمل هذه الكلمةُ من أهمية ومعانٍ عميقة ورثناها عن سلفِنا الصالح وعن كبارنا الذين رحلوا بأجسادهم، لكنهم ما زالوا يعيشون في أفكارنا وضمائرنا بما تركوه لنا من موروث شريف.
هم الذين علّمونا على القيم والمبادئ،
هم الذين علمونا كيف يمكنُنا التمييز بين الحلال والحرام، هم الذين علمونا كيف نحترم الآخر، هم الذين علمونا كيف نحترمُ الكبيرَ ونقدّمُه وكيف نحترمُ الأستاذَ والمعلمة، كيف نخاطب الآخرين، كيف نتعاطى فقط فيما يعنينا ونتركُ ما لا علاقة لنا به. هم الذين علمونا أن لا نغتابَ أحداً ولا نؤذيَ أحداً ولا نضمرَ السوءَ لأحد
هم الذين علمونا كيف نصغي أكثر مما نتكلم خاصةً وأن الله سبحانه وتعالى خلقَ للإنسان لساناً واحداً بينما أعطاه أذنين اثنتين وذلك لكي يسمعَ أكثر بكثير مما يتكلم، هذا إذا كان ينوي أن يتكلمَ بالخير فما بالكم إذا قرر تسليط لسانه على الآخرين وعلى خصوصياتهم وشؤونهم.
وأعود لأتحدث قليلاً عن القدوةِ وعن خطورةِ استهدافها في زمن التطور والإنفتاح الثقافي العشوائي الذي قررَ من خلاله بعضُ العابثين الذين يحملون في ايديهم وافكارهم المشاريعَ المشبوهةَ وفي مقدمِها ضرب القدوة.
كيف يتم ذلك؟
فنحن عندما نقللُ من قيمة الراعي فمعنى ذلك أننا نبطلُ احترامَه في قلوب رعيته وعندها يسقطُ الراعي تسقطُ الرعية، والسبب هو استهداف القدوة.
كذلك عندما نتطاولُ على الرجل الصالح فنحن بذلك نضربُ القدوةَ ويبطلُ الأمرُ والنهيُ وتذهبُ النصيحةُ في مهبِ الريحِ ليصبحَ العاقلُ اللبيبُ منزوياً في بيته ينظرُ بحسرة وأسف إلى الخراب الذي يحلُّ في المبنى الذي زاد على بنائه هو ومن معه من رفاقه ومن سبقهم، على أسسِ القيم والشرف والكرامة، والسببُ في ذلك أيضاً هو استهدافُ القدوة.
وعندما نقبلُ بأن يتقلصَ دورُ المعلمِ ليصبحَ فقط مدرساً بعد أن كان المربي الفاضل والأبُ الواعظُ الذي كاد ان يكونَ رسولاً برأي الشاعر أحمد شوقي ليصبحَ فيما بعد الشخصَ المؤتمن على فلذات الأكباد، أليس هذا ضرباً وطعناً في القدوة.
والأخطرُ من كل ما ذكرت هو استهدافُ القدوةِ الأهم والتي على أكتافها قامت الأمم، هي التي ربّت وعلّمت وكبّرت وهذّبت وشذّبت ودرّست على ضوء القنديل، تحت وطأة الفقر المادي وفي اقسى واصعب الظروف .
إنها الأمُ الصالحة التي وحدها تستطيع أن تعطي أمةً صالحة. أين نحن اليومَ من دورِ الأم ومسؤولياتها، وأرجو أن لا يؤخذَ الكلامَ وكأنه انتقادٌ او انتقاص من قيمةِ المرأة لا بل على العكس تماماً، وأنا لا اسمح لنفسي بأن أحاسب أحداً خاصةً وأننا كلنا بشر وكلنا خطّاؤون، لكن من الضروري أن نتكلمَ عن دور الأم الريادي في كافةِ المجتمعات، لقد كانت الضمانةُ لبيتها وعائلتها والحريصة على كل شعرةٍ في رؤوس أبنائها، تراقبُهم، تسهر عليهم وعلى راحتِهم وسمعتهم ودروسهم، تراقبُ تصرفاتَهم، تسألُ عنهم في مدارسِهم، تشمُ رائحةَ أنفاسهم لكي تتأكد من انهم لا يتعاطون التدخين وما تبعَه من عظائمِ الأمور، تسأل عن مسلكهم بين الناس،
وقد كان الأهمُ لدى الأمهات هو السهرُ على تربيةِ البنات اللواتي لطالما كنّ في مقام الملكاتِ اللواتي يُحَمَّلن الرسالةَ الأمانة لكي يعملن بما فيها من شروطٍ ويؤدّين ما تمليه عليهنّ من واجباتٍ ثم وفي نهاية الطريق يسلّمنها للواتي سيأتين بعدهنّ.
أين نحن من كل ذلك.
أين اصبحنا في زمن الإنترنت والتواصل الإجتماعي، هذه التسميةُ المموهة والتي هي بحقيقتها تباعدٌ اجتماعي او تخريبٌ اجتماعي وسوف أعطي مثلاً على ذلك؛
إذا قلنا أنه هناك أسرةً تسهرُ في غرفة واحدة وهي مكونةٌ من والدٍ ووالدة وثلاثة أولاد، فإذا راقبنا المشهدَ سنجدُ بأنه لم يعدْ هناك في وقتنا هذا قيمة للتلفاز فهو الذي احتلت مكانَه وسرقت نجوميتَه في بيوتنا الهواتفَ الذكيةَ، فالوالدُ والوالدة والأولاد، كل منهم في ذاتِ الغرفة يحملُ هاتفَه ويتكلمُ مع اصدقائه اي أن كلَّ فردٍ من أفراد الأسرة يسهرُ في مكانٍ آخرَ بالمضمون وبذلك يصبحُ اجتماعُ الأسرةِ بالشكل، إلا أن المضمونَ تفرقٌ وشرذمة.
أين أصبحَ مجتمعُنا الذي نرى قيمَه تتهاوى يوماً بعد يوم أمام أعينِنا ،أين دورُ الأم؟ أين هيبةُ الأب ومهابته؟
إنها أخطرُ المعارك التي نواجهُها والتي سندفعُ ثمنَها غالياً في حال لم نتّحدْ في مواجهتها والتي ستكونُ نتيجتُها التفككَ الأسريَّ ومن ثم فرطِ العقدِ الإجتماعيِّ الفريد الذي كان أساسَ البناء والذي سيكون سبباً من اسباب سقوطه لا سمح الله إهمالنا إذا لم نتعاون ونتعاضد لنجددَ العهد ونعودَ لما تربينا عليه.
نحن أيها الأحبةُ نواجهُ اليومَ أبشعَ انواعِ الحروب التي تُشنُ على مجتمعنا،
نحن في معركةٍ مع الثقافاتِ الفاسدة المستوردة من نفايات العالم.
نحن نواجهُ الثقافاتِ الهدّامة التي بدأْنا نشاهدُ طلائعَها تطلُّ علينا،
ومنها الشذوذُ، المخدراتُ، الحرياتُ المطلقة التي لا تقبلُ ولا تعترف بالقيود والضوابط، ، والإلحادُ الدينيِّ الذي ألبسوه مؤخراً ثوبَ اليوغا زوراً وقصدتُ أن اقول زوراً لأن كثيرين ينغمسون بها فتخرجهم من إطار الدين الى عالمٍ آخرَ وهو ما لم يكن ليرضى به كمال جنبلاط ولو اتقنَ اليوغا ممارسةً لا اعتقاداً..
لقد حان الوقتُ أيها الإخوةُ الأعزاءُ لأن نبدأَ بمهمة الإصلاح قبل فوات الأوان، وهذا ما يحتاج منا أن نكون يداً واحدة وقلباً واحداً.
وبالمناسبة أذكر عندما كنا صغاراً الأحاديثَ التي كانت تدور بين الكبار فيسألُ احدُهم الآخر (كيف عينية الموسم عندكم) فيكون الجواب (الزهر كتير انشالله يعقد) وفي الجلسة التالية يصبح الجواب(في عقد انشالله يسلم من البردي والضربات) وفي الجلسة الأخيرة كنا نسمعهم يقولون (الموسم طلع منيح الحمدلله أو ما توفقنا السنة) وهنا أتمنى أن نعمل بجد واجتهاد لأن موسمَنا القادم من النشء الجديد هو مسؤوليتُنا الحتمية التي لا تخضعُ إلا لما نزرع نحن في أبنائنا من قيمٍ شريفة ومبادئَ ساميةٍ وأفكار خيّرة.
أحبائي الطلاب ،
إنَّ الطريقَ طويلٌ وأنتم من ستكونون الشمعةَ المضيئة وسط هذا الظلام الدامس، انتم الأملُ بالمستقبل الزاهر
انتم من ستتسلمون الرايةَ من أهلكم لتتابعوا مسيرةَ الآباء والأجداد.
تقربوا من آبائِكم وأمهاتكم وإخوتكم وأقاربكم وأصدقائكم الشرفاء أكثر،
أما لمن فقد والديه أو احدهما فنحن نقول بأننا أهلُه وبأن مؤسسةَ بيت اليتيم الدرزي في عبيه الرائدة بدورها وتاريخها العريق هي من كانت وستبقى بعونه تعالى الحضنَ الآمنَ والحصنَ الحصينَ بالرغم من الغيمة السوداء التي عبرت والحمد لله بسلام واستُعيد الدورُ من جديد بحكمةِ ورعاية إدارة الميتم واخصُّ بالذكر الاستاذ أنور والسيدة هند النكدي موجهاً لهما من هنا تحيةَ تقدير وإكبار خاصةً بعد ان اجتمعتُ بهما لأكثر من مرة بتكليف من صاحب السماحة شيخ العقل حيث وجدتُ تفهماً عميقاً للهواجس وتعاوناً كبيراً لتفعيل خطةِ العمل التي أطلقها سماحةُ الشيخ والتي وضعتْ في مقدمة برنامجها خطةَ الإرشادِ والتوجيه للنشء الجديد ومتابعة مراحلَ تدرّجه في مراحل دراسته ودعمه وتطويره علمياً وادبياً وثقافياً وفي ذات الوقت تحصينه من شر الآفات الفتاكة والثقافات المفسدة.
لقد بدأ سماحةُ الشيخ بالعمل مع مساعديه على تدعيم برنامج الإرشاد والتوجيه عن طريق إنشاء صندوقٍ لتمويل المشروع الذي يحتاجُ إلى الكثير من المقوماتِ وأولُها تشكيل فريق متكامل من أصحاب العلم والإختصاص وقد بدأت الإتصالاتُ مع العديد من اهل الجود والفضل من اجل تأمين المال استعداداً للبدء بهذه المهمة الجديرة بالإهتمام والدعم .
اما المشروعُ الآخرُ والذي لا يقلُّ اهميةً عن الذي تحدثت عنه فهو مشروع مؤسسة رعاية الأسرة وهو الذي يتضمنُ متابعةَ الشريكين انطلاقاً من بداية فترة الخطوبةِ وصولاً إلى الوعي الكامل لمعنى الزواج قبل عقد القران، معنى الزواج الذي هو دستور إلهي جعل منه شرعة للبقاء ،
ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمةۚ “
إن الزواج هو عقدٌ من أرقى عقود الشراكة والشراكة تعني الكثير ولها العديدُ من المقومات والشروط، فإذا حافظنا على شروط العقد فإننا حتماً سنصلُ للهدف النبيل ألا وهو بناءُ الأسرة على القواعد السليمة وهذا ما يعني لنا الإستمرار والبقاء بأجيال صالحة قادرة على حمل الأمانة وتسليمها لمن سيأتون بعدهم.
الطلاب الأعزاء ،
تقربوا من معلميكم واصغوا إليهم واكتسبوا منهم العلمَ النافعَ لأنه خير ما تكتسبونه.
أحبوا بعضكم بعضاً وكونوا إخوةً واخوات.
لا تقتربوا مما أو ممن يبعدكم عن الله جل وعلا فرأسُ الحكمةِ مخافةُ الله.
إن اللهَ هو الضميرُ، هو المحبةُ، هو التسامحُ، هو الخيرُ والعطاء اللذان لا ينتهيان، هو النور الذي لا ينطفئ،
الله سبحانه موجود فينا ومعنا إنه في كل مكان وفي كل زمان وفي كل دهر وأوان،
وقد قيل إذا أردتَ أن تعصيَ مولاك فاقصدْ موضعاً لا يراك،
وهل هناك من مكانٍ في هذا الكون يخفى على عزته وجلاله؟
ايها الأحبةُ
إن غضبَ الله على العصاة لن يكون ضرباً او ظلماً وإنما سيكون استحقاقاً استحقه من عصاهُ يُتَرجَم حرماناً من النعم التي ذكرتُها فيما تقدم، فعندما نحترم المحبةَ والتسامح والخير والنور(أي نُحرم من تلك نعم) فإننا بذلك ننتهي إلى الظلمة القاسية التي لا يحتملُها المبصرون.
أخيراً يطيب لي ان أختمَ كلمتي هذه ببعض الأبيات الشعرية التي انتقيتُها من قصيدة لصاحب السماحة شيخ العقل جاء فيها .
ألعلمُ ثم العلمُ كم من مرةٍ
أطلقتُها ولسان شعريَ ذائعُ
العِلمُ للاوطانِ أُسُّ بنائها
والجهلُ يهدِمُ والجمودُ تراجعُ
العلمُ بابٌ للحياةِ مُشَرَّعٌ
العلمُ نورٌ للهدايةِ ساطعُ
بالعلمِ لا بالجهلِ نُغْني دينَنا
بالعلم نحيا مجدُنا وندافعُ
العلم ميثاقُ الحياةِ وسرُّها
العلمُ ديرٌ للصلاةِ وجامعُ
العلم خلوةُ عابدٍ متيقِّنٍ
ومسالكُ التقوى اختبارٌ واسعُ
لا يُنقذُ الإنسان من عَمَهِ الدُّجى
إلا مسافرةً وعلمٌ نافعُ
تتواضعُ الأعماقُ منّا طاعةً
والحُرُّ بالتقوى مطيعُ خاشعُ
بالعلمِ والعملِ الأمينِ توازناً
وتحقُّقاً هوذا الجمالُ الرائعُ
شكراً لكم جميعاً والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته