غصّت عاليه، يوم الاثنين 22 تموز 2024، بالوفود الغفيرة من مشايخ وأبناء طائفة الموحدين الدروز، من مختلف المناطق اللبنانية ومن جبل العرب والأردن، التي أمّت المدينة لوداع المرجع الروحي المرحوم الشيخ الجليل التقي أبو مسعود هاني جابر شهيب.
وكان المشهد المهيب خير شاهد على كرامة الشيخ الراحل لدى المعروفيين وأهل التوحيد، حيث شهدت عاليه على مأتم مهيب بحضور شيخ عقل طائفة المسلمين الموحدين الدروز د. سامي أبي المنى ومرجعيات روحية وحشد من المشايخ الذين أتوا إلى عاليه في يوم وداع أبي مسعود من كافة المناطق اللبنانية ومن جبل العرب في سوريا ومن الأردن. وحضر أيضاً وزير التربية والتعليم العالي عباس الحلبي، وزير المهجرين عصام شرف الدين، مجيد طلال أرسلان، عضو اللقاء الديمقراطي النائب أكرم شهيب ممثلا بنجله وائل شهيب، وكيل داخلية عاليه في الحزب التقدمي الاشتراكي يوسف دعيبس ووفد حزبي، الوزير السابق وئام وهاب، الوزير السابق صالح الغريب، عضو المجلس السياسي في الديمقراطي لواء جابر، وفاعليات بلدية واختيارية واجتماعية.
في البداية، كان تعريف من الشيخ هادي جمال الدين، وكانت كلمة لمدينة عاليه، ألقاها الشيخ الدكتور وجدي الجردي رئيس جمعية الإشراق الخيرية، تناول فيها الشيخ التقي الفقيد.
الجردي قال: “نودع شيخا فاضلا وعلما صبورا وتقيا زاهدا اتخذ من جدذه المرحوم الشيخ أبي محمد سعيد جابر رجاحة العقل ومن والده المرحوم الشيخ أبي هاني مسعود جابر صفة الحكمة فكان سليل هؤلاء الأعيان الثقات جامعا ما أوتي من جميل الصفات، كيف لا وقد أجمعت قلوب الإخوان على محبته”.
الشيخ الجردي رثا الفقيد بأبيات شعرية تناولت صدقه ودماثته وأهمية دوره، وباسم مدينة عاليه شكر كل من شاركهم المصاب الأليم وكل من تكرّم بإرسال برقيات تعزية.
إلى ذلك كانت كلمة بإسم أهالي الفقيد ألقاها الشيخ مجد سلمان شهيب، جاء فيها: “نَهَلَ فقيدُنا من مَعينٍ زُلال فاقتدى بمآثرِ والدِهِ الحليمِ الديّانِ الشيخِ الفاضلِ أبي هاني مسعود جابر رحمه الله. بقدَرٍ مفاجئ كبا ملكُ الحلمِ مبكرًا فصدَّعَ قلوبَ الإخوانِ، وفجّرَ عيونَ الأحزانِ.. أفلَ لشيخِنا الفقيدِ في حياتِهِ قمرانِ، مسعودٌ ومهنا نجلانِ خيّرانِ، فتأسى شيخُنا بالصبرِ والسلوانِ ورضيَ بحكمِ الواحدِ الصمدِ مجاهدًا على الطاعةِ والمفترضِ. وبعدَ الأولادِ فلذاتِ الأكبادِ نعى المرحومُ خلّانًا إخوانَهُ شيوخًا تقاةً مرتقبًا يومَ العرضِ والميقات. وبعدَ عمر سنيٍ قضاهُ بالثباتِ على نهجِ الوفاقِ ساعيًا مخلصًا لجمعِ الشملِ ورأبِ الشقاقِ فارقَ دنياه متزودًا خيرَ الزادِ لأخراه معتمرًا تاجَ العفةِ داعيًا للوئامِ والألفةِ، ونهجُ السلفِ يُحفظ خلفًا بعدَ خلفٍ”.
الشيخ شهيب رثا الفقيد بأبيات شعرية تناولته، وأضاف: ” باسم أهلِ الفقيدِ نشكرُ كلَ من شاطرَنا قدرَنا سواءٌ بالحضورِ المقدّرِ أو بالبرقياتِ، فنعزّيهم كما نعزّي أنفسَنا بفقدِ العلمِ الديانِ. فعطرُ دينِ شيخِنا المرحومِ عمَّ أصقاعَ البلادِ وهاجت نسائمُهُ بين الأفاضلِ والأجواد، اللهمَّ يا من ليس لعطائِهِ مانع.. ولا لقضائِهِ دافع.. ولا تضيعُ عندَهُ الودائع.. اللهمَّ يا من للسمواتِ رافع.. وللدعواتِ سامع.. نسألُكَ بجاه شيخِنا الراحل ومشايخنا الأفاضل، من غاب منهم ومن بقي، نسألك نفوسًا مطمئنّةً بقضائِك.. صابرةً تحت بلائِكَ.. متلهّفة للقائِكَ”.
شيخ العقل
وكانت كلمة لسماحة شيخ عقل طائفة المسلمين الموحدين الدروز في لبنان الشيخ الدكتور سامي أبي المنى وهذا نصها:
بسم الله الرحمن الرحيم “مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا”. المشايخُ الأجلّاء، إخوانَنا في عاليه، أبناءَ الجبل والمعروف الأوفياء، أيُّها الكرام، منذ أربعة عقودٍ بالتَّمام ودّعتْ عاليه والطائفةُ المعروفيةالشيخَ الجليلَ العلمَ المرحوم الشّيخ أبو هاني مسعود جابر شهيب، والدَ شيخِنا الطاهرِ الجليل المرحوم الشيخ أبو مسعود هاني الذي نودَّعُ اليومَ بحسرةٍ وأسى، حينهازحف الجمعُ الكبير من أهل الجبل إلى عاليه، وقد كنّا آنذاك بعمر الشباب، فبكيناه ورثيناه راضين مسلِّمين:
أَسَفَي على ذاكَ الجمــالِ لقـــد ذوى
أسفي على الوجـهِ الأَنيسِ يَبيــــدُ
نرضــى، نُسلِّـمُ للإلــهِ أمورَنـــا
والكلُّ للقـَدَرِ الأكيــدِ عَبيـــــدُ
وها نحن اليومَ، وبعد أربعين سنةً، نعودُ بقلوبٍ مكسورةٍ حزينةٍ راضيةٍ مسلِّمة، لنقول: سلامٌ على روحك الطاهرةِ يا أيُّها الوجهُ السعيد، يا حاملَ رسالةِ الآباء والأجداد، سلامٌ عليك أيُّها الشيخُ العينُ الثقةُ الأمين، يا حافظَ البيت والإرث والأمانة، سلامٌ على ذِكرِك الطيِّب، وعلى سيرتِك البهيّة، ياركناً من أركان مجتمع أهل الدين والتوحيد “الأجاويد”، وقلباً نابضاً بالبِرِّ والحبِّ والإيمان، وصدراً رابضاً كما الأبُ الصالحُ على تربة الأمير معضاد مستمِّداً منه العزمَلمواجهة الصعاب والمحن، ناهلاً الحكمةَ من مَعين السلف الصالح في هذه العائلةِ المعروفيّةِ الكريمة ومن عائلات عاليه المشهود لها بالتقوى والصَّلاح ورجاحة العقل والثبات على كلمة الحقِّ والتوحيد. بالأمس البعيد في زمن الحرب والضِّيق، سقط “مسعودُ” ك الفتى الغالي شهيداً، فارتفعتَ معه عقلاً راجحاً وقلباً صابراً وفماً واعظاً وساعداً ممتشقاً سيفَ الإيمان والرضا والتسليم، وانتهجت نهج السيِّدِ الأمير، فقلتَ ما قلنا: حكم القضا والحكمُ فينــا سيِّدُ نرضى كما رضيَ الأميرُ السيِّدُ واعتصرَ القلبَ ثانيةً رحيلُ نجلِك الثاني “مهنّا”، ففاض قلبُكَ نوراً على نورٍ وقبولاً على قَبول، وازددتً تعلُّقاً بكتابِك ومحرابِك، لائذاً في حِمى الإحسان، مرتقياً على سُلَّمِ التوحيد والإيمان، حيثُ العبادةُ مسافرةٌ وارتقاء، ومن حولك كوكبةٌ من أتقياء “عين حالا” وأجاويد “عاليه”، يسيرون خلفَك كما سرتَ خلف سلفِك الأطهار الأجلَّاء،وصُنتَ الأمانة وجمعت الشملَ وأعليتَ رايةَ التوحيد، كما أعلاها من قبلِكم سادةُ هذه المدينة الأجلَّاء وأعيان هذه العائلة الأفاضل، من الشيخ أبو يوسف أمين إلى الشيخ أبو ريدان والشيخ أبو حمزة والشيخ أبو طاهر وغيرِهم، وكان بيتُكم في كلِّ مرحلةٍ وكلِّ عهدٍ محجّةً ومقصداً لشيوخ الجهاد وقادة البلاد، لذلك فأنت حيٌّ يا شيخ أبا مسعود، لأنّ نورَكَ وجوهرَك باقيَان وذكرَك خالدٌ لا يموت: “فالنّـورُ لا يُطوى، ويبقى الجوهـرُ”، بك وبأمثالك من المستحقِّين ترحِّبُ الجنَّة، لقوله تعالى: ﴿لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ ۖ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ ۚ أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُون﴾ صدق اللهُ العظيم. وفي وداعِك اليومَ أسمح لنفسي، ومن موقع مشيخة العقل، أن أَذكرَ ما منحتنا إيَّاه من لطفٍ وعطفٍ ومحبةٍ وتأييد منذ اللحظة الأولى التي شاء القدرُ فيها أن نتحمَّل مسؤوليةَ حفظِ الأمانة وأداء الواجب، ومنذ زيارتي الأولى لكم شعرتُ بأبوَّتكم الصادقة وأُخوَّتِكم الخالصة، ومنذ أن تشرَّفتُ باستقبالكم في ديارِنا وقبَّلتُ أياديكم الطاهرةَالحاملةَ عطرَ السلف وشذا الأخوَّة التوحيدية، تذكّرتُ القولَ الفصلَ من الوصيَّة: “انصروهم ولا تخذلوهم”، إذ كنتَ لنا وإخوانك الأفاضل ونجلك الأديب الشيخ منهال خيرَ الناصرين الداعمين والداعين لنا بالتوفيق والسَّداد، والقابضين معنا على جمر المسؤولية وخدمة العِباد. وكما عاهدناكم بالأمس، نعاهدُكم اليومَ، ونحن نقتسمُ الحرقةَ وإيَّاكم في عاليه، بأنَّنا سنتابعُ المسيرةَ معاً بصدق العقيدة وصحة المسلك وسلامة النيَّة ووضوح الرؤية وثبات الإرادة، وفاءً لروح المرحوم الشيخ “أبو مسعود”، الذي عمَّمتْه محبةُ الناس وحسنُ ظنِّ الأتقياء العارفين قبل أن تُتوِّجَهُ يدُ سيِّدِنا وشيخِنا الجليل الشيخ أبو صالح محمد العنداري، وهو المستحقُّ الحقَّ بمسلكِه المحمود وتواضعِه المعهود، والمتقبِّلُ التكريمَ بأدبه الجَمِّ الرفيع، والمترفِّعُ عنه سعياً لوحدة الجميع. المشايخَ الأجلَّاء، الشخصياتُ الكريمة، أهلَنا الأفاضل، إنَّ ما نعيشُه اليومَ في بلادِنا وفي محيطِنا يدعونا إلى اليقظة، لا إلى القلق، وإلى التماسك والتلاقي، لا إلى التفكُّك والتباعد، وذلك ما يُوجبُ علينا كموحدين التعلُّقَ بأصول العقيدة ومبادئ المسلك، وبثوابت الهوية الروحيةلأهل المعروف والتوحيد، وأن نؤكِّدَ على الهوية الوطنية العربية الإسلامية التوحيدية للطائفة، متمسكين بإرثِنا الروحي والجهادي في مواجهة أي تهديدٍ أو تحدٍّ، مهما كان نوعُه وحجمُه، ثابتين في انتمائنا وفي هويّتنا وفي التزامِنا بالفرض وتجذّرِنا بالأرض ودفاعنا عن العرض. ويا شيخَنا الحبيب، يا من تركت الدنيا لتصل إلى الآخرة، وترفَّعت عن أهوائها لتكسبَ روحَك، وتخلَّيتَ عن حظوظ نفسَك لتربحَ حظَّ القَبول عند الله، نمْ راضياً مَرضيَّاً مطمئنّاً، لروحِك ألفُ رحمةٍ ورحمة، ولأهل بيتِك وعائلتِك الصغرى وعائلتِك الكبرى ولمحبِّيك جميعاً طِيبُ البقاء وحسنُ الولاء. آجركم اللهُ جميعاً أيُّها الأخوةُ الأفاضلُ، وأعاننا وإيَّاكم للثبات على نهجه والاجتماع على كلمته والعمل الدؤوبِ لصَونِ رسالته والسيرِ على خُطاه. ولتبقَ دارُكم يا شيخنا الراحلَ دارَ طهارةٍ وتقوى، عامرةً بأهلها الطاهرين الأتقياء، “إذا عاد منها موكبٌ جاء موكبُ”، وإلى لدُنِ الله وكنفه السعيد يا شيخ أبا مسعود، وإلى مراكب الجهاد ومواكب العمل أيها الإخوةُ والأبناء لنحفظَ ما حفِظه الراحلُ الحبيب، ولنودِّعْه قائلين:
عِشْ بعد موتكَ راضياً يا هــاني
واحيَ السعادةَ فهْيَ عُمرٌ ثاني
وارحلْ إلى حيثُ الخلودِ متوَّجـاً
بعمامةِ التوحيد والإحسانِ.
مشايخَنا الأجلَّاء، لكم منّا العَزاءُ والدعاء، ولروحه الطاهرة الرحمةُ والوفاء، “إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون”.
ثم طلب سماحة الشيخ أبي المنى من الشيخ جهاد الريّس إقامة الصلاة وأمّها الشيخ أبو صالح رجا شهيب، ووري الفقيد الثرى. كما وصلت الى المأتم سلسلة من برقيات ورسائل التعزية من مراجع روحية وهيئات من سوريا والأردن وفلسطين وبلاد الاغتراب. كذلك اقيم موقف للشيخ الراحل في مقام النبي شعيب (ع) في فلسطين بمشاركة الهيئات الروحية والمشايخ.