رأى سماحة شيخ العقل لطائفة الموحدين الدروز الشيخ الدكتور سامي أبي المنى أن “ما حصل في مجدل شمس أثار الكثير من اللبس والتساؤلات عن هوية من قام بتلك الجريمة والأسباب والأبعاد، ولكن برأينا فإن الأمور تحتاج إلى تحقيق للتأكيد من يقف وراء هذه الحادثة الأليمة، إلّا أن رمي الاتهامات بوجه “حزب الله” أو أي طرف آخر يهدف إلى إثارة الفتن، والاتهام السياسي الذي حصل فيه نوع من الخبث، لكننا استطعنا تدارك الأمر واحتواءه من خلال رفض الفتنة”.
وفي حديث لجريدة “النهار” حول ما يتعلّق بدروز فلسطين وموقف بعضهم الحامل الجنسية الإسرائيلية والذي يخدم في صفوف الجيش، قال: “لا يُحسدون على الواقع الذي يعيشونه، بعضهم يرى أنه يجب المشاركة في تلك الدولة ويحترم قوانينها، لكنهم يخضعون لضغوط، في الماضي صادروا أراضيهم وزجوا بالشباب الرافض للتجنيد الإجباري في السجون، البعض يتعامل مع الواقع وكأنه مرحلة وتنتهي حين يزول الاحتلال، في حين رفض البعض الآخر وتحمّل الضغوط، لكن الدهاء الإسرائيلي يعمل على سلخهم عن هويتهم، إلّا أن هذا الدهاء الإسرائيلي لا ينطلي على القيادات التي تعرف أن للإسرائيليين رزنامتهم الخاصة”.
أضاف: “هم أدرى بواقعهم، ونحن لا نتدخل كثيراً في شؤونهم الخاصة، ولكن نقول انهم يجب ألا يُضيّعوا التاريخ والبوصلة والاتجاه الصحيح. الدهاء الإسرائيلي ربما يقود بعضهم إلى مكان تتشتت فيه الهوية وتضيع، لكن عليهم التمسّك بهويتهم، وربما تُعطي إسرائيل بعض المواقع الإدارية والأمنية للدروز، لكن هذه المواقع هزيلة أمام واقع قانون القومية اليهودية الذي يُكرّس الدولة اليهودية، وهذه الدولة عنصرية قائمة على فكر تسلط وهيمنة ونظرة دينية للأمور تجعلهم يميّزون أنفسهم عن سائر الناس”. وبالوصول إلى الفئة المعارضة لحمل الجنسية الإسرائيلية والتجنيد في صفوف الجيش، والتي يقودها مفكرون وسياسيون كسعيد نفّاع وغيره، ينوّه أبي المنى بهذا الاتجاه الفكري، ويرى أن “الفكرة ربما تؤتي ثمارها فيما بعد، هذا الشعور موجود لدى غالبية الموحدين الدروز، البعض ربما يساير ويداري الواقع، لكن البعض الآخر يؤكد هذه الهوية ويؤكد أن الاعتراض يجب أن يكون قائماً، وهذه الحركة مفيدة على المدى الطويل وتحرّك المشاعر لدى الموحدين الدروز، ويجب أن نوقظ فيهم شعور التمسّك بالقيم”.
ولفت سماحة الشيخ أبي المنى إلى “المشروع الإسرائيلي الذي ينص على بناء دولة درزية، مشيراً إلى “رفض القيادات الدرزية ككمال جنبلاط وسلطان باشا الأطرش هذا المشروع”، لكنه يقول إن المشروع “لا يزال قائماً في الفكر الإسرائيلي، ونحن نرفضه وسنقف سداً منيعاً في وجهه حتى لا يتحقق، لأنه يُشكل نوعاً من التقوقع والانتحار”. ويضيف: “لا قبول لفكرة الدولة الدرزية، ولكن في خضم الصراع في المنطقة، قد يكون ثمة مخططات لاستدراج الدروز ليظنوا أن المأمن لهم هو الدولة الخاصة بهم، إلّا أن موقفنا الثابت هو رفض فكرة إقامة هذه الدولة التي لا نرى لها أي أفق. الموحدون الدروز في لبنان وسوريا وفلسطين يرفضون هذا المشروع”. واعتبر أن “الدولة الدرزية نوع من الانتحار”، سائلاً عن الهدف منها، “هل القصد حماية حدود إسرائيل؟ أو تنمية اقتصادنا؟ هل نحن أصحاب اقتصاد كبير؟ نكون أقوياء حين نكون مع الآخرين، المظلة هي الدولة. البعض يعتقد أن لنا عاداتنا الخاصة وقيمنا وإذا أسسنا دويلة نحمي مجتمعنا أكثر، لكن العالم كله أصبح قرية منفتحة، فهل نعزل أنفسنا في دويلة ونختلف بين بعضنا؟”
وفيما يتعلّق بمشاريع الفيديرالية أو التقسيم، ذكّر سماحة شيخ العقل بأن “لبنان بلد صغير، اللامركزية الإدارية الموسعة جيدة وحاجة لتسهيل معاملات الناس، لكن لا أنصح أبداً بالتقسيم والفيديرالية لأننا نريد أن نكون موحدين ومنفتحين ونتعاون”.
وحول حرب الجنوب بين إسرائيل و”حزب الله” والموقف الدرزي مما يجري، قال: “حرصاء على الوحدة الوطنية، وردّ العدوان الإسرائيلي والدفاع عن النفس أمران مشروعان، وعدم الدفاع عن النفس نوع من التخاذل يشجع العدو على الاعتداء أكثر، لكننا نربط هذا الموقف بالطلب من المقاومة عدم استدراج إسرائيل إلى حرب أوسع، ولمسنا حكمة قيادة المقاومة والوعي والتعامل مع أهلنا في منطقة الجنوب بكل احترام ودراية”. وعن مستقبل لبنان في ظل الاستعصاء السياسي القائم وعدم القدرة على إنجاز الاستحقاقات، يقول أبي المنى: “ثمة واقع صعب نعيشه في لبنان، لكننا يجب أن نسعى إلى وحدة وطنية وتفاهم من خلال الحوار والتشاور الدائم”.
وأشار سماحة الشيخ أبي المنى ردّاً على سؤال إلى “أهمية استثمار الأوقاف والخطوات العملية في هذا الاتجاه، كذلك عن انتخابات المجلس المذهبي والدعوة للمشاركة، لوصول الطاقات والكفاءات المناسبة”.