يسألونك عن الحلال ليستضيئوا في روضاته، ويسترشدوا بأنوار مصابيحه، ويشربوا من ماء سلسبيل كوثره، فقل لهم: إن جوهر الوجود هو الحركة الهادفة التي تجعل الجزء يتحرك شوقاً وشغفاً إلى كله، حركة لطيفة جوهرية صافية للوصول إلى السكون الأرقى والأرفع في معراج الغايات. ومن كرّمه الله بفهم معانيها واستنار بنور حكمتها يكون على أعتاب حلال ما أحلّه الله وجعله منهاجاً للنجاة في رحلة الاختبار والتخيير علّه يتطهّر بالحقائق وينسلخ من صلصاله الكثيف إلى عالمه اللطيف، فيغدو نوراً شفافاً من موكب ذلك النور الذي يضيء ولا يحرق، ويهدي ولا يُضِلُّ. النور الذي أشرق برد طمأنينةٍ وسلامٍ ، وانتشر على جميع المخلوقين الذين اعتصموا بحبل مولاهم فساروا في أفناء رياضه، واستظلوا بأشجار عز حماه.
إنه الحلال الذي أعزّ أصحابه بالشرف والرؤية والخلة والاصطفاء، فمشوا في الأرض بقاماتٍ مستقيمةٍ مهتدين بنورٍ يضيء لهم السبل ويميز لهم الحلال من الحرام والحق من الباطل، فتزكّوا بنسيم الروح والريحان، بحكمة العقل والفكر الذي أضاء جميع الأكوان، وأرشدهم إلى الهدى والإيمان، فتأثروا من حبيبهم بالجمال والجلال، والنعمة والإحسان، فتركوا زينة الحياة الدنيا وتفكروا بدقائق المعاني وارتقبوا الوعد المحتوم المنصوص في سائر الأديان استشعاراً بحقيقية ليالي الشفع والوتر وأصباح ليالٍ عشر لذلك الفجر الذي تشرق فيه شموس الأحدية على عروش قلوب الأحبة العاشقين.
كل ذلك باقتفاء الأثر من المصدر الأصل لسلوك معارج العرفان حيث العز بنداء الحق لهم: هدانا المولى وإياكم وأسكن حُبَّ الحلال في قلوبكم.
انه الحلال الذي طهّر نفوس الأحبة بمحبة المحبوب وغرّق العارف في مناجاة حبيبه، وهو يعلم علم اليقين أنه لولا نداء الحبيب لبقي جميع العشاق صماً لا يسمعون ولولا خطابه لبقي الجميع بكماً لا ينطقون، ولولا النور لما رأوا جلال الجمال وغرقوا في بحر أنواره، ولولا التجلي على عروش القلوب لما اطمأنت تلك القلوب واستأنست واستقرت في قلب السعادة واستقرت السعادة في قلبها.