كلمة تربية لغوياً مشتقة من الفعل الثلاثي ربّي، ومعناها أنشأ وغدّى ورفع وهدّب. وهذا المعنى ينطبق على الحالتين الجسدية والنفسية للطالب، وذلك لأن الإنسان مكوّن من نفس عاقلة لطيفة وجسد كثيف مركب. فتغذية الجسد ورعايته ليتناغم مع قوانين الطبيعة ضمن قواعد الرياضة، والنظافة والصيانة من التلوث على جميع مستوياته هو موضوع التربية الجسدية. وتهذيب الطبائع وترويض الجامح منها بالعادات الحسنة والتقاليد المعتدلة، ورعاية العقل والتدرّج بالرعاية العقلانية من مجال في المعرفة إلى مجال أرفع حتى الوصول بالطالب إلى إدراك الكليّات المجرّدة والقوانين التي تحكم صيرورة الموجودات هو موضوع تربية النفس العاقلة.
ان التربية عند الفيلسوف اليوناني أفلاطون تعني السعي العملي والنظري للوصول إلى التوازن بين مختلف قوى الفرد النفسية والجسدية، أي التوازن بين الغريزة والعاطفة والعقل. وهذا التوازن لا يكون على شكل محاصصة، بل هو انقياد الغريزة للعاطفة وانقياد العاطفة للعقل، لأن السعادة برأي أفلاطون هي في إدراك عقل الفرد البشري للكليّات المجرّدة، أي للمثل الموجودة في ذلك العالم غير المحسوس والذي اسمه عالم المثل. اما التربية عند الفيلسوف ارسطو، فهي التدرج بتعليم الفرد حتى إيصاله إلى استيعاب علم المنطق وهو الذي يعلمنا إدراك المبادئ الأولى التي إذا حصلنا عليها، يمكن بالقياس ان نحصل على غيرها. ويقول أرسطو بأن النفس الإنسانية تأتي كصفحة بيضاء، أي ليس فيها معرفة فطرية إطلاقاً، ولكنها تمتاز عن سائر النفوس الحيوانية بكونها عالمة بالقوّة أي فيها إمكانية تحصيل المعرفة. ولمّا كان الإنسان بنظر أرسطو اجتماعي بالفطرة، كانت الأسرة برأيه هي النواة الأولى والأساسية لبناء المجتمع. ويعتبر ارسطو ان ارتباط الفرد بالأسرة هو ارتباطاً جوهرياً، وان التربية الاساسية يحصل عليها من أسرته لأن علاقته بالدولة فيها الكثير من الاستقلالية. أما من المعاصرين، فرينه أوبير يعرِّف التربية قائلاً إنها “جملة الأفعال والآثار التي يحدثها بإرادته كائن إنساني في كائن إنساني آخر. والتربية الصحيحة هي عملية دائمة ومستمرة مدى الحياة، فقيل أن في سن الرشد يكون المربي هو الأسرة والمدرسة، أي تكون التربية تلقيناً وترويضاً، وبعد سن الرشد يكون المربي هو الحياة أي تصبح التربية سلسلة تجارب واختبارات تطبيقية ونظرية ايضاً. أما المفكر كمال جنبلاط فقد عرّف التربية قائلاً: “التربية إنما تعني بنظرنا تفاعل نهجين، احدهما يهدف إلى صقل العقل وتنظيمه وشحنه بالمعلومات اللازمة، والنهج الثاني يقصد إلى تهذيب العاطفة والتصرف. والمرء لا يكتمل أو بالحري لا يتجه إلى الاكتمال الا إذا وقع الانسجام الباطني والظاهري بين القلب والعقل”. أما رأيي الشخصي المتواضع في موضوع التربية فهو ان هناك مثلث من ثلاث زوايا، الأسرة المدرسة الحياة.