في خطوة هي الأولى من نوعها، أقام مركز الفنون والآداب في الجامعة الاميركية مؤتمرا دوليا بعنوان “الدروز: ألف عام من التعددية والحضارة”، في قاعة “الاسمبلي هول” في الجامعة، في تشرين الاول 2018، بحضور النائب تيمور جنبلاط، رئيس الجامعة الاميركية فضلو خوري وشخصيات سياسية وأكاديمية ودينية وطلاب.
أبو حسين
بداية، النشيد الوطني ونشيد الجامعة، فكلمة تقديم للاعلامية رنيم ابو خزام، ثم تحدث البروفسور في قسم التاريخ والاثار في الجامعة عبد الرحيم ابو حسين، فأشار الى “جرائم داعش في منطقة السويداء في سوريا”، وقال: “نحن لا نحتفل بالتنوع والتعددية اللذين تميز بهما التاريخ الاسلامي ولكن كي ندين التعصب”.
أضاف: “الدروز كانوا دائما جزءا من البيئة التي انتموا اليها ودافعوا عنها من الايوبيين الى المماليك الى العثمانيين حتى الحرب العالمية الاولى، وحافظوا على وجودهم في بلاد الشام. وهذا الحفاظ هو سبب الثقافة التي يتمتعون بها”.
وتحدث عن “دور التنوخيين والمعنيين وشكيب ارسلان وسلطان باشا الاطرش ورشيد طليع وكمال جنبلاط”، مشددا على أن “الدروز لعبوا دورا هاما في المجتمعات التي عاشوا فيها”، مقللا من اهمية العدد في هذا المجال.
رئيس “الأميركية”
بدوره، قال رئيس الجامعة: “هذه المناسبة مهمة جدا بالنسبة إلينا لان التنوع والتعددية مصطلحان مهمان، ولأن صوت التطرف اصبح دافعا لاخفاء صوت الدين كما كان في العصر الذهبي. وهذه المنطقة لطالما تشكلت من فسيفساء ومجتمعات”.
أضاف: “هذا الاحتفال بألفية الدروز في التاريخ انما يعيد الى هذه المنطقة مفهومها للتنوع الذي لطالما تعايش في ظله ابناء هذا المجتمع، مع قدرة أصدقاء الدروز على جعل العلاقة راسخة”.
ولفت الى “مساعدة الدروز للمجتمع المحلي البروتستانتي على تأسيس شبكة من المؤسسات التعليمية منها مدرسة عبيه، لانهم فهموا باكرا الحرية المشتركة وحرية الايمان”.
وعدد أسماء اوائل المتخرجين من الجامعة الاميركية من طائفة الدروز.
وأسف “لغياب المؤرخ كمال الصليبي الذي كتب كثيرا عن الدروز وأحب تنوع لبنان”.
الحلبي
وأشار القاضي عباس الحلبي الى أن “الدروز استمروا حوالي الألف سنة بعد نشوء المذهب، واستطاعوا الاستمرار لسبب من دورهم التاريخي في حماية الإسلام والعروبة من دون أن يشعروا لمرة أنهم أقلية في هذا العالم الرحب، بل كانوا دوما جزءا من الأكثريات الحاكمة. وقد شد عصبهم تعرضهم دوما للاضطهاد والتنكيل في السياسة وإلى التشويه والتزوير في الدين، فكان رابط العصبية أقوى”.
ولفت الى أن “الموحدين الدروز يجهدون في سبيل البقاء أوفياء لهدفهم السياسي التاريخي المتمثل بالدفاع عن عروبة لبنان واستقلاله. وها هم يحملون في الوقت نفسه، راية الدفاع عن الفكرة اللبنانية التي كانوا روادها وأصحابها منذ القرن السابع عشر، رافضين تكوين كيان جغرافي خاص بهم، أو القبول بتقسيم لبنان أو تجزئته. فالدروز يتطلعون إلى لبنان كونه فريدا في هذه المنطقة، مؤلفا من تنوع طائفي ومذهبي، نظامه يقر الحقوق للأفراد ويمنح الطوائف الضمانات”.
وقال: “على رغم الظروف السياسية القاسية والصعبة التي يعيشها العالم العربي، ينبغي عدم الاستهانة بوزن الجماعات الدرزية في الشرق الأوسط، أو التقليل من شأنها، باعتبار أنها تشكل شبكة قوية ومتينة ومترابطة في المنطقة. ويظهر الموحدون الدروز شعورهم الوطني والقومي أينما وجدوا، من خلال تأكيد تمسكهم بأرضهم وتراثهم التاريخي”…
وتابع: “يواجه الموحدون الدروز، على غرار بقية العرب واللبنانيين والمسلمين، تحدي الحداثة المعاصرة. فالشرق الأوسط يعيش أصعب الأوقات بسبب الحروب المتتالية وانعدام الاستقرار السياسي وتصاعد موجة الأصوليات الدينية. كما يعاني جمودا سببه منع قيام آليات ديمقراطية، وقمع الحريات، وغياب الإصلاحات الاجتماعية والتربوية والاقتصادية، وغيرها. فالعالم العربي الذي يعتبر نفسه متمدنا وغنيا، يمر الآن في مرحلة انحطاط، ويواجه العولمة في معركة مفتوحة”.
اضاف: “من المؤكد أن الموحدين الدروز الذين يعيشون في الشرق الأوسط، مدعوون إلى عدم الانغلاق على أنفسهم، بل إلى محاولة استعادة الدور التاريخي الذي لعبوه في الماضي، والتحرر من العقد الدينية والسياسية. فهم لا يستطيعون مواجهة الحداثة إلا عن طريق تعزيز البحث العلمي المعبر. فالموحدون الدروز الذين تمكنوا من اجتياز المراحل التاريخية الصعبة، والاحتفاظ بهويتهم وعقيدتهم، مدعوون أيضا اليوم، مثلهم في ذلك مثل بقية الطوائف، إلى التكيف مع روح العصر، لأن العيش في دائرة مغلقة مضر. وإن أقلية، كطائفة الموحدين الدروز، تمتلك هذا التراث الخصب، لها كل الحق في أن تفتخر بهويتها وتتحرر من كل عقدها تجاه الإسلام والعرب”.
وختم: “أشكر الجامعة الأميركية ورئيسها وفريق العمل المنظم على عقد هذا المؤتمر لإظهار الصورة المشرقة من حياة هذه الجماعة بكافة أوجهها، وبخاصة في العادات والفنون والتي لا يمكن فصلها لا وطنيا ولا قوميا”.
أبي المنى
ثم تحدث رئيس اللجنة الثقافية في المجلس المذهبي لطائفة الموحدين الدروز الشيخ سامي أبو المنى، فبدأ بقصيدة شعرية عن بني معروف، وقال: “إن المجلس المذهبي لطائفة الموحدين الدروز، بما هو مرجعية أساسية قانونية، يمكن من خلال تعزيزه الانطلاق نحو مستقبل أفضل، وإنه لمن الأولى التأكيد أن البحث في تاريخ الموحدين الدروز وفي دقائق مسلكهم يجب أن ينطلق من قاعدة ثابتة، تأخذ في الاعتبار المغالطات التي حصلت نتيجة سياسات غريبة مشبوهة حينا، ونقص في المعرفة والدقة العلمية أحيانا، كما تنظر إلى مسلك التوحيد على أنه ليس دينا مستقلا بذاته”.
وأشار إلى أن “الموحدين، رغم تمسكهم بجوهر التوحيد والتزامهم بسلم قيم أخلاقية ثابتة، ورغم طبيعتهم المسالمة، وربما بسببها، تعرضوا إلى الكثير من الإساءات والافتراءات عبر تاريخهم، حيث أسيء فهمهم وجرى تعريضهم لمحاولات التشويه واللبس وإثارة الغموض. كما أن انشغالهم في الدفاع عن أنفسهم وعن الثغور، والحروب المتتالية وعدم الاستقرار في مراحل متعددة من التاريخ، كلها أدت إلى بعض من الجهل في حقيقة مسلكهم، وإلى تشوهات في صورته”، وقال: “رغم كل ذلك، مثل الموحدون الدروز دورا أساسيا وفاعلا في الحوار وترسيخ أسس ومبادىء العيش المشترك، كون اهتمامهم بالحوار مع الآخر ينبع من قناعتهم أولا، ثم من حاجتهم إلى هذا الآخر المختلف في بعض الأوجه والمظاهر، والمشترك معهم في الوطنية والإنسانية، خصوصا في هذا المحيط الشرقي وفي بلد مثل لبنان وأينما يوجد الموحدون الدروز في بلاد الشام، حيث وحدة الحضارة العربية والإسلامية ووحدة البيئة والتاريخ واللغة ووحدة منابع الرسالات السماوية، وحيث يشكل لبنان نموذجا متقدما للعيش الواحد المشترك، وللحوار بين المسلمين والمسيحيين بمختلف مذاهبهم، وحتى بينهم وبين اليهود، كأتباع ديانة توحيدية، لا كأصحاب عقيدة صهيونية عنصرية استبدادية”.
ولفت إلى أن “الموحدين الدروز أكدوا اندماجهم مع محيطهم العربي الإسلامي والإنساني الشامل، مع حفاظهم على شخصيتهم التاريخية. كما أكدوا تشبثهم بأرضهم وبالكيانات الوطنية المتواجدين فيها، إذ لا بديل لهم عنها، يدافعون عنها ضد أي اعتداء، مهما كلفهم ذلك من تضحيات، ولا يعتدون على أحد، إذ ليس لديهم أي مشروع سياسي خاص بهم. كما أكدوا في مجال العقيدة تمسكهم بقاعدة الارتكاز الجوهرية التي هي كتاب الله المنزل”.