كتب المترجم محمود عباس مسعود:
منذ سنوات وقع في يدي كتاب قديم بالإنكليزية بعنوان تاريخ الإسلام والطوائف والفِرق لمؤلفه المؤرخ وليام كوك تايلر William Cooke Taylor، مطبوع في مطبعة جون باركر في لندن سنة 1834.
الفصل العاشر من الكتاب (الذي يبدأ في الصفحة 270) مخصص للدروز حيث يقتبس المؤلف قصيدة بعنوان فلسطين للشاعر الإنكليزي المطران ريجينالد هيبر Reginald Heber، وتلك القصيدة مكرسة أصلاً للدروز.
المطران هيبر ولد سنة 1783 وتوفي سنة 1826 وهو خريج جامعة أكسفورد. والمعروف عنه أنه كان رجلاً تقياً، غزير المعرفة وذا ذائقة أدبية وطاقات عملية. كما اشتهر أيضاً بترانيمه وتراتيله الروحية التي احتلت مكاناً متميزاً في اللغة الإنكليزية.
كلمات القصيدة قديمة وشبيهة إلى حد ما بلغة شكسبير والأدباء الكلاسيكيين. وهناك إشارات وتضمينات لا يمكن ترجمتها مع الاحتفاظ بمعنى منطقي لها. لذلك بذلت قصارى جهدي للاحتفاظ بجوهر الأبيات، ولم أتقيّد حرفياً بالأصل لأنه من الصعب المزاوجة بين مفاهيم قديمة وترجمة عصرية. مثال على ذلك هناك كلمات مثل Lusitanian و Ophir و Tyrian sail و Sidonian dyes وغيرها.. لو تُرجمت حرفياً لجاءت خارج السياق.
لذلك حاولت الإبقاء على جوهر القصيدة والاستغناء عن ما لا يمكن ترجمته بسهولة أو استساغته. كما اضطررت لحذف بعض كلمات لعدم دقتها تاريخياً حتى باعتراف المستر تايلر نفسه.
لقد قرأت القصيدة عدة مرات ودققت كلماتها مستعيناً بأفضل القواميس لإظهار ترجمة معقولة ومقبولة لهذه القصيدة التي لا أعتقد أنها تـُرجمت من قبل إلى اللغة العربية.. وأنشرها هنا مع بعض الإيجاز.
شديدو بأس ٍ
ملتهبون حماساً،
أباة، كرماء نفوس،
شجعانٌ أقوياء،
يعشقون الحرية والاستقلال.
أولئك هم … الدروز
الذين يقطنون الجبال الشامخة والراسخة
في وجه العواصف والأعاصير.
دماؤهم النقية تشهد لأصولهم النبيلة.
وشجاعتهم الشبيهة بجرأة السباع وإقدام الأسود
تؤكد عراقتهم وأصالة منبتهم.
وفي حين يركع الآخرون .. ذلاً واستخذاءً
أمام الحديد والفولاذ المسقّى
هم وحدهم دون سواهم يجعلون الطغاة المستبدين
يرتجفون هلعاً في عتمة الليالي…
أجل أيها الزعماء الشجعان البواسل،
يا من لا يثني الزهو والخيلاء عزمكم،
حتى لو توقفت الرياح العاصفة عن الاستجابة لإرادتكم
وأحجمت عن الهبوب على صدر صواريكم البيضاء..
وحتى لو بارت تجارتكم
ولم تـُقبل عليكم الدنيا بكنوزها
يبقى مع ذلك نصيبكم وافراً
من القناعة والرضا بما لديكم
حيث العمل الشريف الدؤوب يفضي إلى الراحة والطمأنينة.
ومواسمكم الناضجة لا تمتد إليها يد اللصوص.
وحيث كرومكم فياضة بخيراتها الوفيرة.
وأبناؤكم أيضاً تواقون للقيام بأنبل الأفعال
التي تميّز الرجال الأشداء…
عندما تهجر الشمس سهول سورية
وتغوص وراء الأفق الوردي المتاخم للبحر
تخلـّف وراءها أشعة ذات ألق
وتكلل بالنور جبين الجبال..
وهكذا أيضاً يشرق نور عزكم وعزمكم
وسط الأجواء المكفهرة
مثلما يتألق السراج المنير في قبو مظلم.
حقاً أن النفوس التي تهزأ بقيود الطغاة هي قليلة العدد
وقلائل هم الذين لا يرضون عن الحرية بديلا..
وأولئك هم الدروز.