نشر القائد الفذ فؤاد سليم بك الكثير من المقالات في الصحف والمجلات العربية لا سيما المصرية، مدافعاً عن سوريا والعرب، إذ يذكر الأمير شكيب أرسلان عن كتاباته هذه، ضمن مقال في رثائه بعنوان: “فؤاد كليم على فؤاد سليم” قائلاً: ” لقد كان في ساحة الجلاد السبع الهصور والبطل الأتبع، وفي ساحة الجدال العالم المصقع والكاتب الأبرع، ومن مِن قراء العرب لم يعجب بمقالاته الشائقة الفائقة، التي تنم عن ذكاء خارق للعادة، وحكم باهر المنطق، واطلاع واسع المدى، ولغة ثقفية النغمة، ونفس عالية ولا كالنفوس، ورأس مفعم بالإباء والعزة ولا كالرؤوس, فمن قرأ كلامه عرف قدره ولو لم يعرف وجهه”.
ما ذكره الأمير شكيب أرسلان في هذه المقطوعة المعبرة التي تختزل مسيرة قائد ومناضل من الذين واجهوا الانتداب بشجاعة، يكفي للإطلالة على شخصية استثنائية، كانت حاضرة بقوة على مسرح الاحداث العسكرية والتحررية إبان الاستعمار الفرنسي والانكليزي، وصولا إلى الاستشهاد في قرية “سُحِيْتَا” شمالي الجولان أمام السفح الجنوبي لجبل الشيخ، حيث كانت امرأة لبنانية تذهب في يوم محدد من لبنان الى ذلك المكان لتضع الورود المتفتحة على قبر رخامي مكتوب عليه اسم الشهيد ” فؤاد سليم” والد تلك المرأة التي كانت تجتاز المسافات والمخاطر ليبقى اسم والدها خالدا، ولتبقى مشاعرها وعواطفها تجاهه متقدة ، قبل أن تنقطع الزيارة السنوية لوقوع تلك القرية “سحيتا” تحت الاحتلال الصهيوني عام 1967، وتهجير السكان وتدمير القرية بشكل كامل وتهجير سكانها بعد تسويتها بالارض وبالتالي تدمير قبر والدها الشهيد.
من الصور التي تبقى محفورة في الذهن والوجدان… منظر امرأة متوسطة العمر كانت تذهب في يوم معين من كل عام، من لبنان إلى دمشق، ومنها غرباً إلى شمالي الجولان أمام السفح الجنوبي لجبل الشيخ، وبالذات إلى قرية (سُحِيْتَا)… وتقف أمام قبر عليه صفائح رخامي،, وتضع باقة من الزهور النضرة على شاهدة القبر التي كتب عليه اسم الشهيد “فؤاد سليم”.
نشأته
ولد فؤاد سليم في بعقلين – الشوف في لبنان عام 1894, وقرية عائلته هي (جباع الشوف) وكان والده الطبيب الرسمي لقضاء الشوف. تلقى فؤاد سليم تعليمه في الجامعة الأمريكية في بيروت، ثم عمل معلماً لعدة سنوات. وبعد اندلاع “الثورة العربية” ضد الأتراك عام 1916، التحق بها, وحقق ذلك بعد أن دخلت جيوش “فيصل بن الحسين” مدينة العقبة في تموز 1917, فانطلق من جبل لبنان إلى جبل العرب, حيث ساعده أقرباؤه من قرية (المجيمر) في الوصول إلى شرقي الأردن, وقدم نفسه للأمير “فيصل” الذي ألحقه بعمل كتابي في قيادة الجيش.
لم يرض فؤاد سليم أن ينأى عن المعارك، فطلب الانتقال إلى قطعات الجيش المقاتلة، وبمفارز التدمير, التي استهدفت خط سكة حديد الحجاز لمنع الأتراك من استخدامها.
بطولات رائعة
سطر فؤاد سليم بطولات رائعة في القتال، الامر الذي دفع الى ترقيته إلى رتبة رئيس وبقي ضابطاً في جيش الحكومة العربية التي تشكلت في دمشق بعد هزيمة الأتراك.
واستكمل فؤاد سليم النضال ضد الفرنسيين, فتزعم فصائل الثوار في البقاع, ووادي التيم “راشيا وحاصبيا ومرجعيون” ضد القوات الفرنسية, وورد اسم فؤاد سليم في بنود (إنذار غورو) الشهير، والموجه إلى الحكومة العربية في دمشق, بأن تقوم تلك الحكومة بوقف نشاط هؤلاء الثوار.
وفي معركة ميسلون 24 تموز 1920 كان فؤاد سليم في طليعة الضباط المناضلين الذين صمدوا وسط ضراوة القتال في معركة ميسلون في 24 تموز من العام 1920. يوم استشهد القائد البطل “يوسف العظمة”وتعرض للرصاص والموت مرات عديدة ولكنه نجا من الموت بأعجوبة.
نزح قادة ثوار العرب إلى شرقي الأردن، بعد ان دك الفرنسيون اسوار الدولة الناشئة في دمشق، فتابع عمله في “الجيش العربي” وتولى رئاسة أركان ذلك الجيش وكان برتبة عقيد وتزعم الضباط المنتمين إلى حزب الاستقلال، الذي عمل على تنظيم الصفوف لمحاربة المستعمرين.
مارس النفوذ الاستعماري البريطاني ضغطه لإخراج هؤلاء الأحرار من الأردن ومن ضمنهم – فؤاد سليم- فاتجه إلى الحجاز ومن ثم إلى مصر حيث أقام في القاهرة وكتب في مجلاتها وجرائدها.
الثورة السورية
التحق فؤاد سليم بالثورة السورية الكبرى في صيف 1925، فحاول الإنكليز منعه من السفر، وما كان منه إلا أن خرج على طريقته، واجتاز صحراء سيناء على ظهر جمل، ووصل إلى فلسطين واجتاز نهر الأردن سباحة ودخل الأردن خلسة، ومن عمّان اصطحب شقيقه نصري وغادرا إلى جبل العرب حيث التحق بقيادة الثورة، وشارك في معركة (المسيفرة) وكان من أركان الثورة.
وبدأ يعمل مع عدد من الثوار على توسيع الثورة لتشمل معظم الديار السورية وثم الاتفاق على أن يتولى فؤاد سليم تنظيم حركات الثوار في منطقة إقليم البلان ووادي التيم، على جانبي جبل الشيخ لكي تضطرب القوات الفرنسية وتوزع قواتها وجهودها. على اكثر من جبهة
وكانت الثورة في إقليم البلان والسفوح الجنوبية لجبل الشيخ المتصلة مع شمالي الجولان قد اندلعت، وطلب ثوار إقليم البلان الذين كان يقودهم المجاهد أسعد كنج أبو صالح النجدة من القيادة العامة للثورة.
وقد أرسلت تلك النجدة على شكل حملة من الثوار ذهبت إلى الإقليم برئاسة المجاهد “زيد الأطرش” “شقيق سلطان باشا االاطرش” وتولى رئاسة أركان الحملة العقيد “فؤاد سليم” وجعلت الحملة مقراً لها قرية “مجدل شمس” وتوسعت منها في شمالي الجولان, ونحو وادي التيم, فحررت حاصبيا ومرجعيون وراشيا في معارك بطولية رائعة ساهم فيها (فؤاد سليم) بكل خبرته وشجاعته, وكان العقل المدبر للمناشير الوطنية التي أصدرتها الحملة لشرح أهداف الثورة تحت الشعار الرائع: «الدين لله والوطن للجميع».
بعد هذه الانتصارات التي حققها الثوار، دفعت الجيوش الفرنسية بحملة لاحتلال مجدل شمس – قاعدة الثوار- كما انطلقت الحملة الفرنسية من القنيطرة باتجاه مجدل شمس واحتلت قرى (بقعاتا ومسعدة) ودمرتها رغم المقاومة البطولية للثوار, واقتربت من مجدل شمس, فتحصن الثوار أمامها, وأشرف “فؤاد سليم” على تنظيم دفاعات الثوار حول القرية، وبدأت الاشتباكات في 1 / 12 / 1925 وحصلت مواجهات بطولية حاسمة استبسل فيها الثوار.
الاستشهاد
وفي اليوم الثالث من هذه المعركة كان فؤاد يقود الثوار في الجناح الشرقي لجبهة الدفاع عن مجدل شمس غربي قرية سحيتا, فأصيب بشظية مدفع في رأسه، وتلقاه قائد الحملة زيد الأطرش، فلفظ أنفاسه الأخيرة بين يديه، وكان ذلك يوم الخميس 3 كانون الأول من العام 1925. فروى دمه تراب الجولان والحاق الهزيمة بالقوات الفرنسية ومطاردتهم حتى القنيطرة وخسرت حينها 500 قتيل.
قال الدكتور عبد الرحمن الشهبندر مؤبناً: “إن العقل الراجح, إذا انضمت إليه الشجاعة النادرة، وكان الإخلاص حلقة الوصل بينهما تمثل أمامنا بشخص شهيد الوطن… فؤاد سليم”
كما أبّنه الشهيد القائد (محمد سعيد العاص) بقوله: “لقد كان فؤاد بطلاً من الأبطال الحلاحل الغر الميامين, ومن خيرة رجال القضية، دافع عن كيان وطنه بسيفه وقلمه وبدماغه، كان مثالاً للتضحية، فقد ضحى بنفسه وبوظيفته وبماله، وبكل عزيز لديه في سبيل حرية سورية خاصة، وفي سبيل استقلال العرب عامة،فإذا بكينا فؤاداً، فإنما نبكي العلم والتضحية، نبكي الفتوة العنترية، والبسالة العدنانية، نبكي الوفاء والجود، نبكي الإباء والشمم, نبكي الطموح والكرم, نبكي الهمة الثابتة والشجاعة الخالدية, لقد فقدنا قائداً مدرباً حكيماً محنكاً، وإن الزمان بمثله لضنين، رحم الله زميلي البطل وأسكنه فراديس جنانه.
انتصر فؤاد سليم على اسلحة الفرنسيين التي قتلته وعلى جرافات الصهاينة التي دمرت قبره، فتحول الى رمز تاريخي وفكري خالد .