في عام 1949 تم تعيين بهيج تقي الدين وزيرا للزراعة في لبنان وحين علم أخوه الكاتب والصحافي سعيد تقي الدين بذلك كتب له هذه الرسالة: “تحياتي أخي بهيج علمت أنك قد أصبحت وزيرا، وهذا شرف كبير لعائلتنا ومنطقتنا،لكني أحب أن أذكرك بأننا عندما كنا صغارا كنا نتسابق للنوم في فراش أبينا لروحه السلام، وأتذكر أن الوالد كان يشم رائحة أيدينا ليتأكد أنها نظيفة وأننا غسلنا أيدينا بعد الطعام، لكي يسمح لنا بالنوم معه. واﻵن يرقد أبونا تحت التراب، ولا شك أننا سوف نرقد معه بعد مدة، فاحرص يا أخي أن تكون يداك نظيفة لترقد معه بأمان”.
ها هو بهيج تقي الدين ابن بلدة بعقلين الذي ولد في العام 1909 يرقد بآمان وسلام، وهو الذي شغل مواقع نيابية ووزارية عدة وكان خير من حافظ على وصية والده الوجيه الذي له مكانته في الشوف والجبل، والمحافظ في مناطق عدة ومدير المعارف في ذلك الوقت، محمود تقي الدين ووالدته الناشطة السياسية والاجتماعية زهية عبد الملك.
العمل السياسي
مارس بهيج تقي الدين السياسة بشغف فحقق فوزا باهرا في دورات نيابية عدة، إذ كان قريبا من الناس وهمومهم يتابع قضاياهم ويزور قراهم ليكون على بيّنة من أمورهم وحاجاتهم، مركزا على تعزيز العلاقة بين مكونات الجبل والعلاقة الدرزية- المسيحية والاسلامية -المسيحية بشكل عام. ونقل عنه أنه أعترض على كلمة التعايش المشترك وركز على كلمة العيش المشترك لان فعل تفاعل يفيد المشاركة بين متفرقين او بين طرفين متنازعين متباعدين، واللبنانيون عائلة واحدة شديدة الاواصر ملتحمة العناصر.
وبهيج تقي الدين من عائلة مثقفة ومرموقة مشغوفة بالعلم، فاشقاؤه هم الشقيق الأكبر الأديب والكاتب والدبلوماسي سعيد تقي الدين، والأديب خليل تقي الدين، ومنير تقي الدين مدير عام وزارة الدفاع، والأستاذ الجامعي بديع تقي الدين الذي يعد من مؤسسي كلية العلوم في الجامعة اللبنانية، والمحامي نديم تقي الدين. وعلى دروب بعقلين سلك سنوات دراسته الاولى لينتقل إلى مدرسة الليسيه الفرنسية في بيروت التي تخرج منها في المرحلة الثانوية، وفي العام 1931 نال إجازة في الحقوق من جامعة القديس يوسف. حيث عمل محاميا ومارس هذه المهنة بادىء ذي بدء في مكتب حبيب أبي شهلا للمحاماة حتى العام 1949، ثم استقل عنه ليفتتح مكتبه الخاص وتطير شهرته ليصبح من ابرز محامي الجزاء في لبنان.
حياته السياسية
إن ولعه في العمل السياسي وحبه لأن يكون الى جانب الناس دفعه لخوض الانتخابات النيابية في العام 1947 منفرداً في منافسة لوائح قوية، لائحة برئاسة كميل شمعون وثانية برئاسة اميل اده وثالثة برئاسة سليم الخوري وقد فاز في تلك الانتخابات، وفاز في انتخابات العام 1960 ونال 18044 صوتاً. ثم فاز في انتخابات العام 1964 ونال 18724 صوتاً. كما فاز في انتخابات العام 1968 ونال 22929 صوتاً. وفاز أيضاً في انتخابات العام 1972 ونال 26163 صوتاً. واستمر نائباً حتى وفاته.
ترشح لانتخابات العام 1951 التي خاضها في لائحة الجبهة الوطنية الى جانب كمال جنبلاط وكميل شمعون والمير مجيد ارسلان حينها كانت عاليه والشوف دائرة واحدة وقد فاز ونال 11682 صوتاً. الامر الذي دفع بالمرشح المنافس الخاسر الشيخ فضل الله تلحوق الى تقديم طعن في نيابة تقي الدين لكن لجنة الطعون لم تأخذ بذلك الطعن.
خسر بهيج تقي الدين في الانتخابات التي جرت في دورتي 1953 و 1957 المرحلة التي كانت فيه الخصومة على اشدها بين رئيس الجمهورية كميل شمعون وكمال جنبلاط فكان الفوز من نصيب قحطان حمادة المدعوم من كميل شمعون في ذلك الوقت.
العمل الوزاري
على المستوى الوزاري تولى بهيج تقي الدين مواقع وزارية حيث عين وزيراً للزراعة في حكومة الرئيس رياض الصلح وقد استمر من 1-10-1949 حتى 14-2-1951.كما عين وزيراً للصحة والاسعاف العام والشؤون الاجتماعية في حكومة الرئيس عبدالله اليافي في 7-6-1951 لكنه قدم استقالته في اليوم نفسه، عين وزيراً للاقتصاد الوطني في حكومة الرئيس حسين العويني وقد استمر من 18-11-1964 وحتى 25-7-1965 كما عين وزيراً للأنباء (الاعلام) في حكومة الرئيس رشيد كرامي وقد استمر من 15-1-1969 وحتى 25-11-1969 وعين وزيراً للداخلية في حكومة الرئيس تقي الدين الصلح وقد استمر من 8-7-1973 حتى 31-10-1974. وفي حكومة الرئيس سليم الحص عين وزيرا للداخلية والسياحة وقد استمر من 16-7-/1979 وحتى 9-2-1980، حين قدم استقالته.
كتب عندما اعدم المفكر انطون سعادة ““لقد كانت جريمة انطون سعادة في نظر المتجنين عليه انه فتح الاعين يوم كنا جميعاً في غفلة عما يبيته لنا الاستعمار، ويوم كان اليهود في موسكو وباريس وواشنطن ولندن يساومون على ارضنا وارواحنا، كانت جريمته الكبرى انه تنبه الى خطر الصهيونية المحدق بنا”.
ومما قاله في العام 1962 :”لبنان كان ولا يزال ويجب أن يبقى ملجأً للمضطهدين وملاذاً لمن عصفت بهم بعض التيارات السياسية. وان يبقى فاتحاً قلبه شارعاً ابوابه لكل من اضطهد في بلده، او ضغط عليه بسبب عقيدته او بسبب مبدأ سياسي او ميل مهما كان لونه”.
حين كان وزيرا للداخلية في العام 1974 تم اختطاف رئيس تحرير جريدة النهار الصحافي ميشال ابو جودة فاجتمع مع ناشر وصاحب جريدة النهار غسان تويني ومسؤول امن فتح ابو حسن سلامة واتهمه بان ميشال ابو جودة مخطوف لدى ابو عمار. فحصل تلاسن بينهما على خلفية هذا الاتهام وكادت الامور تتطور لولا تدخل غسان تويني واتصال كمال جنبلاط بالوزير تقي الدين والطلب منه البحث عن اتجاه آخر لعملية الخطف وعدم حصره بحركة فتح الفلسطينية. وقد تبيّن لاحقاً ان الجهة الخاطفة هي منظمة الصاعقة الفلسطينية المؤيدة لسورية.
توفي سعيد تقي الدين في التاسع من شهر شباط 1980 ودفن في بلدته بعقلين في مأتم رسمي وشعبي حاشد.