أمضى الشيخ شبلي العريان ردحاً من حياته في المعارك والمواجهة في ساحات القتال والمنازلة، دفاعاً عن الكرامة والعرض والأرض، ورفضا لكل أشكال التبعية والانقياد والخضوع، فعاش سنوات شبابه متمرداً ثائراً، وبطلا شجاعا في ساحات الوغى والنضال والشرف والعزة، فلبى نداء الواجب في أكثر من محطة، حتى أنه استطاع أن يؤلف جيشا درزيا غير نظامي لمواجهة الاخطار التي طالما تعرض لها بني معروف إن في سوريا أو لبنان او في فلسطين.
شبلي العريان ابن بلدة راشيا مسقط رأسه ورأس أسرته، تميز بصفات اخلاقية وقيم ومواقف جعلته رمزا من رموز القادة الكبار واصحاب الرأي والمشورة، وفارسا من فرسان ميادين البطولة والشهامة فعاش متحليا بالتربية الدينية فلقب بالشيخ، وكان ذا طبع هادىء وموزون ومن اصحاب النفوذ الواسع، إذ قاتل في وادي التيم وإقليم البلاّن وفي حوران والجاه وتصدّى لعمر باشا النمساوي في لبنان عندما اعتقل جماعة كبيرة من أعيان الدروز ووجاههم سنة 1842م.
حارب شبلي العريان ابراهيم باشا عندما اعتدى على الدروز في حاصبيا وراشيا وبانياس. وقد قسّم جماعته الى ثلاث فرق استعداداً لصد الهجوم واعتمد في بانياس على ابن عمه خزاعي العريان، وعيّن قائداً للفرقة الثانية في راشيا ابن عمه الثاني احمد العريان. وتولى مع الشيخ محمود تلحوق عملية الدفاع عن حاصبيا. وقد تمكّنت تلك الفرق من الحاق الهزيمة بجيش ابراهيم باشا الذي كان خليطاً من عرب نابلس وصعيد مصر.
وعلى أثر انسحاب الحملة المصرية من سوريا ولاّه الأتراك العثمانيون في بلاد العراق ومنحوه لقب باشا مكافأة له على صد جيوش ابراهيم باشا المصري. وأصبح والياً في لواء العمارة. وبعد ذلك عُيّن حاكماً على بغداد وقام بإنشاء المشاريع العمرانية والاجتماعية وهي لا زالت آثارها شاخصة حتى يومنا هذا. كما ان الأتراك إنتدبوا شبلي باشا للتصدي للحركة الكردية التي كانت تقلق الدولة.
ومع عودته الى لبنان استُقبل استقبال الابطال الميامين. الأمر الذي أخاف المسؤولين في الحكومة التركية من تعاظم نفوذه بين أبناء لبنان عامة والدروز خاصة. فعملت تركيا لإشعال نار الحرب الطائفية.
مكيدة ضد الدروز
عمد عمر باشا النمساوي الذي كان والياً على جبل لبنان الى كتابة عرائض تهاجم الشهابيين حكام البلاد تحت سلطة الباب العالي. ووقّع على العرائض عدد من اهل تلك البلاد تحت الضغط والرشوة والتزوير. فشلت المؤامرة وما لبث الوالي ان أنكرها. إذ بات واضحا تزوير تلك العرائض وكشف دور من يقف وراءها من العثمانيين. حينها اشتد تعاضد البطريرك اللبناني مع الزعماء الدروز وأعلنوا رفض طلب عمر باشا إرسال فرق درزية لمحاربة المسيحيين في زحلة وكسروان. فشكل هذا الموقف العاقل الوطني سبباً للتباعد بين العثمانيين والدروز. فقرر عمر باشا تنظيم مكيدة للزعماء الدروز، إذ طلب لقاءهم في بيت الدرن. ومع وصولهم، ألقى القبض عليهم وجرّدهم من سلاحهم وأرسلهم الى السجن في بيروت. وهم الأمير أحمد ارسلان والأمير امين ارسلان والشيخ نعمان جنبلاط والشيخ سعيد جنبلاط والشيخ داوود عبد المالك والشيخ يوسف عبد المالك والشيخ حسين تلحوق والشيخ ناصيف نكد. وبمساعدة بعض المسؤولين من النصارى، هرب بعضهم فعظم الأمر على الباشا ، فأرسل مكاتيب الى مقاطعات النصارى يحذّرهم فيها من مخاطر الدروز. فاجتمع عدد من الدروز والمسيحيين مع البطريرك وأصدروا بيانا مشتركاً أكدوا فيه ان من مصلحة الدروز والمسيحيين ضمان السلم المشترك في لبنان وأقاموا حلفا فيما بينهم.
على أثر ذلك، أرسل شبلي العريان الى الوالي العثماني رسالة يطلب منه الإفراج عن الزعماء الدروز المعتقلين في بيروت، وإعادة الوضع الى ما كان عليه في لبنان تحت حكم الشهابيين، والإعتراف بالحلف الذي أقيم بين المسيحيين والدروز للمحبة والتآخي. الامر الذي أجبر الوالي على إرسال وفد لمفاوضة شبلي العربان، وهو مؤلف من سعيد فتيحة ومحمد باشا. فطلبوا من العريان الإنسحاب من الشوف لتجنب كارثة على لبنان فاشترط شبلي العريان لذلك الإفراج عن الزعماء الدروز، وتأجيل جباية الضرائب لمدة ثلاث سنوات في الجبل، ووقف قرار تجريد الجبل من السلاح ومن ثم إعادة البلاد تحت حكم الأسرة الشهابية.
فرفض الوالي تلك الشروط. وبدأ القتال بين العثمانيين والدروز في الجنوب وبين العثمانيين والمسيحيين في الشمال. وتوحّدت البلاد في شكل عملي واتفق الطرفان على تولية الأمير أسعد الشهابي حاكماً على البلاد. فجُنّ جنون الأتراك والإنجليز لاتحاد اهل تلك البلاد . وبهذا فقد نجحت كفة شبلي باشا ورجاله في استتباب الأمن بين كافة اللبنانيين رغم أنف المستعمر التركي. فعاد الوالي العثماني وطلب التفاوض. فقال شبلي للوفد المفاوِض: “ان الدروز يعرفون ان الباب العالي لا يريد سوى تحطيمهم كما اتهم شبلي باشا رئيس الوفد سليم باشا صراحةً أنه مدبر الفتن بين اللبنانيين. وان كل خسائر القرى الدرزية والمسيحية يجب على الدولة ان تدفعها فوراً”.
وقال: “إننا كدروز لا يمكننا رمي السلاح إلا بعد عزل عمر باشا والإفراج عن الزعماء الدروز المعتقلين في بيروت. وبالفعل تراجع العثمانيون وأفرجوا عن الزعماء الدروز واستدعي عمر باشا الى الآستانة وعُزل في الحال آخر سنة 1842م وكانت المعارك قد استمرت حينها لاشهر، اضافة الى بعض المعارك التي خاضها في الدفاع عن الكرامة والشهامة الدرزية وسجّل في التاريخ انه من أبطال بني معروف وهو ابن الشيخ علي العريان ووالدته الست نوربارق. وبهذا يكون شبلي العريان قد امضى ريعان شبابه ومعظم سنواتحياته في ساحات القتال والحروب.
وقيل انه كان يقرأ الفاتحة دائماً قبل ان يهمّ بركوب حصانه. وقد توفاه الله عن عمر يناهز الثمانين سنة في عام 1870.