كتب مروان محمد درويش:
خلال أحداث ثورة 1958، استدعى قائد الدرك في البقاع، مختار بعلول آنذاك المرحوم أبو فوّاز عثمان وطلب إليه التعاون والعمل على منع الثوّار الدروز المتَّجهين من منطقة راشيا إلى المختارة من العبور في أراضي بلدة بعلول.
فردَّ عليه المختار أبو فوّاز: “كيف لنا أن نمنعهم عن ذلك، إذا كانت الطريق التي يعبرون عليها في قريتنا إسمها “طريق الدروز”؟
فأين تقع تلك الطريق، ومتى أطلقت عليها هذه التسمية؟
طريق الدروز في بعلول، هي الطريق الرئيسة الخارجيّة الممتدة من مدخل القرية عند حاكورة المعلم باتجاه المدرسة الرسميّة والنادي والبلدية، نزولاً نحو القلعة باتجاه صغبين. وكانت في سالف الأيّام ضيّقة يوازي عرضها عرض دابةٍ محمَّلةٍ بأغمار حصيد . ولم يكن ثمّة منازل على جنباتها أو محيطها كما هي اليوم بل جميعها كروم عنبٍ وجوزٍ وتين.
في منتصف القرن الثامن عشر ميلادي، وبينما كان الشيخ علي جنبلاط في بعذران، وفد عليه مندوبٌ من قبل والي عكا يسأله إدانة الوالي ثلاثين ألف قرش يستعين بها في سفره العاجل إلى الأستانة. فأعطاه الدراهم ورفض أن يأخذ منه سنداً بالمبلع. فأعجب الوالي بمكارم الشيخ وشهامته.
ولما أنجز الوالي إستعداده وشخص نحو الأستانة برّاً عبر سهل البقاع، جعل يتساءل عن قرية الشيخ علي على مساواة أي قرية من قرى البقاع هي؟. ولدى وصوله إلى أراضي قرية خربة قنافار قيل له: “هي على مساواة هذه القرية تقريباً”. فترجّل الوالي عن فرسه وشخص لجهة الغرب قائلاً: “السلام عليكم يا شيخ علي”، ثم تابع بعد أن جال لحاظه بالسهل الفسيح الذي يشقّه نهر الليطاني، “تالله لئن أسعدني الحظ وعدت والياً على الشام لأحيلنّ هذا السهل الخصيب لعهدة الشيخ علي وأجعلنّ ريعه له إلى ما شاء الله”.
وبعد وصوله إلى الأستانة عُهدت إليه ولاية الشام، فدعا إليه حال عودته إلى دمشق الشيخ علي جنبلاط وأكرم وفادته وبالغ في تبجيله واحترامه،وطلب إليه تدوين أسماء القرى التي يشتهي التزامها ليُحرّر له بها صكّاً نظامياً.
فدوّن الشيخ علي أسماء قرى غربي البقاع وشرقيّه جمعاء من جسر عنجر إلى جسر برغز فدخلت كلّها في إلتزامه.
ولمّا آب الشيخ علي إلى الشوف وعلمت عشائر الدروز بما جرى في دمشق، طفقوا يتوافدون عليه ويسألونه الحذية من الغنيمة، فأحذى آل العماد قريتي جب جنّين وكامد اللوز وآل نكد قرية عيتا الفخّار وسوّامة جب جنّين وآل أبي علوان قرية غزّة وآل العبد قرية تل الأخضر وآل عطالله قرية قب الياس وآل تلحوق قريتي قبر عبّاس والمنصورة. وأبقى في حوزته قرى: بعلول والقرعون ولالا وميذون ولوسا وعين التينة ومشغرة وعيتنيت وعين زبدة وخربة قنافار وعمّيق وقليا ولبّايا وزلاّيا وسحمر ويحمر والشمّيسة والمحيدثة ومجدل بلهيص وجرن النحاس وعزّة والذكوة وخيارة مظلوم . وأدار أمور هذه القرى وشؤونها أحسن إدارة وابتنى فيها البيوت والحظائر والإسطبلات للفلاحين الذين جعلوا يتقاطرون عليها من أنحاء شتى،لا سيما من ناحيتي الغوطة وبعلبك.
وابتنى فيما بعد الشيخ بشير جنبلاط عرزالاً له على إحدى تلال بعلول كان المشايخ الجنبلاطيون يمضون معظم أوقات الصيف فيه.
وفي وقفيّته التي نظمها وسجّلها عام 1808، وضمن أملاكه التي أوصى بجعلها وقفاً شرعيّاً، أوقف الشيخ بشير جنبلاط: “حقل الهوّة وحقل محمود وخلّة بعلول الكائنة تابع المزبور المشتملة على ما اشتمل عليه ما قبله وشهرتها تغني عن التحديد”. بيد أن هذه الوقفية لم يقَرّ بها حتى العام 1866 تاريخ مثول أبنائه أمام مجلس المحاكمة الكبير في جبل لبنان سعياً في تنفيذها الذي حالت دونه التحوّلات السياسية. وبقيت بعلول وباقي القرى البقاعية في حوزة آل جنبلاط حتى أحداث سنة 1860.
في تلك الأيّام كانت بعلول أقرب الممرات ما بين جبلي حوران والشوف، وكان لزاماً على القوافل أو الأفراد العابرة من جبل حوران أو منطقة راشيا إلى جبل الشوف أو بالعكس أن تمرّ في قرية بعلول، فأطلق على الطريق التي يعبرونها في القرية إسم “طريق الدروز”.
وخلال أحداث فتنة 1860، كان على الدروز القادمين من سوريا ومزرعة دير العشاير نحو الشوف أن يمرّوا على قرية الرفيد وينزلوا منها إلى بعلول في طريقهم إلى عين زبدة فالمختارة، فكان عليهم حُكماً أن يعبروا هذه الطريق في بعلول ويتَّخذوا منها محطة للاستراحة قبل متابعة المسير، وهذا تماماً ما حصل فيما بعد خلال ثورة 1925 وثورة 1958.