الفضيلة السادسة في مذهب التوحيد هي الرضا بفعل الله جل جلاله
تقع في حياة الإنسان أحداث مختلفة، كان يُفضّلُ بالطبع أن تكون جميعها أحداثًا سارةً مُفرِحةً، كولادة ابن أو ابنة، أو زواج شخص يُحِبُّه، أو نجاح في امتحان هام لكن بطبيعة الحال، ثمة مصائب وأحداث خطيرة صعبة كوفاة شخص قريب أو إصابته بجروح أو مرض، أو نشوب حرب، أو كارثة طبيعية. فكيف يستطيع الناس، بل كيف عليهم أن يواجهوا ما يقع في حياتهم من أحداث؟ وفي هذا الشأن يُقدم مذهب التوحيد إجابة واضحةً قاطعة، لا يرتقي إليها الشك، تقول إنه مثلما يفرح الإنسانُ ويَحمَدُ رَبَّهُ على الأحداث السارةِ المُفرِحة، فإن عليه أن يتقبل الأحداث الصعبة القاسية المؤلمة بخشوع واستكانة، وامتثال لقضاء الخالق تعالى وإرادته. يُسمى هذا التوجه وهذا التعامل مع الأحداث بالرضا ومعناه القبول بأفعال الخالق جل جلاله وقضائه وإرادته
الثقة بقضاء الله وقبوله بصبر ورضا
ومعنى هذا التوجه الديني أن الإنسان المؤمن بالله تعالى يتكل عليه، ويثق به ويعرفُ حق المعرفة أن أفعاله، وقضاءَه، وأوامره ونواهيه، تعتمد كلها على الحق والعدل والحكمة العميقة والخير. ولذلك، فإن على الإنسان القبول بقضاء الله تعالى القاسي الصعب دونما احتجاج، أو شكوى، أو تذمر، أو تردد. وحتى عندما يظنُّ الإنسان ويتخيل بأن قدره جلب عليه الشدائد والمصائب، حتى في هذه الحالة، يُحظَرُ عليه التشكيك في أفعال الخالق أو في عدالته جل جلاله. في المقابل، على الموحد الدرزي أن يتذكر أيضًا أن ما يقضي به الله جل جلاله له . خيرات وبركات كالنجاح الكبير الباهر والغنى والثراء العظيم، إنما جاءَهُ منْةٌ مِنَ الله تعالى؛ ولذلك، لا يجوز له أن يتكبر ويتباهى ويتبجح، أو أن يبذر هذه الهبات الربانية عبئًا على العكس، عليه أن يجد الطريقة المثلى والصحيحة التي يستخدم بها هذه الهبات والعطايا، التي من بها الله جل جلاله عليه تفضّلا.
فضيلة الرضا والثقة بقضاء الله: رحلة إلى الإيمان والقبول العميق
إن الرضا فضيلة دينية هامة تعتمد على الإيمانِ المُطْلَق بالله جل جلاله، وعلى الإقرار والاعتراف بحكمته اللامتناهية. وبحسب مذهب التوحيد، يجب على المُؤمِنِ المُوحْدِ أنْ يتذكر أنه محدود مُقيد بالنسبة إلى الله جلْ جَلالُهُ، لأنهُ مِنْ لحم ودم، ومصيره الموتُ والفناء، وهو لا يستطيع فهم حكمة الله جل جلاله، وإدراك المعنى الذي تنطوي عليه أفعاله، واستيعاب أغراضه وأهدافه. ولذا، ففي لحظات النجاح وأوقات الشدة على حد سواء، ينبغي للإنسان تقبل قضاء الله بالرضا والتسليم، كما يجب عليه حمده وشكره على قضائه السار المُفرح. والإنسان القادر على الرضا بأقضية الله جل جلاله جميعًا، سواءٌ المؤلمة المحزنة منها والمفرحة السارة، هو إنسان يعمُرُ قلبه بالإيمان، ويعلم تمام العلم أن الله سبحانه يُحسِنُ إلى خلقه، وأنه عادل عليم. مِن أجل الوصول إلى حالة من الرضا التام المطلق على المُؤْمِنِ المُوحْدِ أنْ يُؤهّل نفسَهُ وعقله، ويستعد ويتهيا بواسطة نشاط روحاني مستمر، يُوصله إلى درجة من الإيمان التام المُطلَق بالله جلّ جَلالُهُ وبقدرتِهِ وَقَوْتِهِ، ويُنمي قدرتَهُ على تقبل قضاء الله تقدس ذكره، إن خيرًا وإن شرا، كما يُنمّي واجب حَمْدِ الباري تعالى في السراء والضراء.
التوازن بين المشاعر الإنسانية وقبول قضاء الله في مذهب التوحيد
مع ذلك، يعترف مذهب التوحيد بالمشاعر والأحاسيس المصاحبة للأحداث المختلفة التي تقع في حياة الإنسان، سواءٌ الأحداثُ المُفرحة منها أو المُؤلِمةُ. لقد اعتقد العالِمُ الديني الكبير والمعروف لدى الموحدين الدروز، الأمير السيد (ق)، أنه يجوز للإنسان أن يفرح إذا ما وقعت له حادثة سارة مفرحة، وأن يحزن ويتألم إذا ما أَلَمْتْ بهِ مُصيبةٌ أو انتابه ما يسوهه. وبحسب قوله (ق)، فالعاطفة الإنسانية أمر طبيعي، شريطة ألا تكون على حساب تقبل قضاء الله جل جَلالُهُ، وألا تشجّعَ الإنسانَ على رفض هذا القضاء والاعتراض عليه.
نقلا عن التراث التوحيدي