الأميرة خولة جنبلاط أرسلان، ابنة بيت سياسي عريق، وناشطة اجتماعية على أكثر من صعيد.
كانت من بين أنشط النساء في مجال الرعاية الصحية أثناء الحرب الأهلية اللبنانية. وقد أسّست لجنةً طبيةً تجوّلت في المستشفيات اللبنانية لتقديم الدواء والعلاج للمصابين في الحرب الأهلية.
الأميرة خولة، هي ابنة رشيد داود جنبلاط، من سكان بلدة البرامية قرب مدينة صيدا الجنوبية، ترعرعت هذه الأميرة بين أربعة أخوة وهي الإبنة الوحيدة، تبلورت برفقتهم شخصيتها، كانت والدتها من نفس العائلة وهي أسمى محمد جنبلاط، عاملتها بشيء من الدلال الذي لم يزدها إلا تواضعاً أكثر ووعياً للمسؤوليات التي تنتظرها.
تعلمت في مدرسة راهبات عبرين في الأشرفية ببيروت، ثم انتقلت إلى راهبات البنرتسون.
تزوجت الأمير مجيد أرسلان في العام 1956، فباتت سيدة قصر خلدة، سيدة لآل أرسلان، ووالدة الأمير طلال أرسلان، إضافة إلى كريماتها الثلاثة: زينة وريما ونجوى.
أهل العنفوان
تقول عنها الكاتبة ناديا نويهض في كتابها نساء من بلادي:
“هي من أهل العنفوان نسباً، من أهل الحكمة مسلكاً، من أهل الجمال صورة، جمال صورتها مرآة لأعماقها المفعمة بالطيبة والحنان، تتجلى واضحة في قسماتها، لا تبالغ في زينتها، على ذوق رفيع في اختيار الألوان الهادئة التي تتناسب وشخصيتها، لكأنها واثقة من أن جمالها الحقيقي يكمن في بساطتها، في صدقها وذكائها ودقتها المتناهية في اختيار الأشياء ووضع كل منها في موضعه الطبيعي والملائم لها”.
رحل زوجها مثواه الأخير سنة 1984 تاركاً لها إرثاً كبيراً من المسؤولية الاجتماعية والعائلية، فأنشأت أبناءها وكبَّرتهم، وتعاملت معهم بصداقة وتفاهم وتفهّم، تناقشهم وتحاورهم وتستمع إلى مشاكلهم محاولة جهدها أن تنمي شخصياتهم واستقلاليتهم، ضمن حدود المنطق والمعقول.
بيت اليتيم الدرزي
في العام 1963 طلب منها عارف بك النكدي وهو مؤسس بيت اليتيم الدرزي في منطقة (عبيه) في لبنان، أن تترأس لجنة سيدات بيت اليتيم الدرزي، فنزلت عند رغبته، ودعت إليها نخبة من السيدات الموحدات وتمَّ تشكيل اللجنة. وقد عملت على إيجاد المستوى اللائق للأيتام خاصة على المستوى المهني والصحَّي، كما وأخذت على عاتقها تعليم خمسين يتيماً كل سنة وإعطاء المتفوقين منهم منحاً للتخصص في الخارج، وبفضلها تخرَّج عدد كبير من الأيتام الذين أصبحوا فيما بعد أطباء ومهندسين ورجال أعمال ناجحين.
في العام 1975 أسست الأميرة خولة مركزاً طبياً في مدينة الشويفات، وظلت تتعهده إلى أن تبنَّاه مجلس الوزراء اللبناني حيث عمل على توسيعه ليشمل العديد من العيادات الطبية الحديثة والأشعة والمختبرات وقسم التوليد.
لم تكتف الأميرة خولة بالاهتمام ببيت اليتيم الموحد فقط، بل عملت مع زميلاتها في لجنة السيدات على إنشاء قرية للأطفال، وأعدت أيضاً مدرسة لذوي الاحتياجات الخاصة (المعوقين) في قرية قبر شمون تبرع الوقف الموحد بالأرض اللازمة لها.
الاغاثة خلال الحرب
في الحرب الأهلية اللبنانية التي نشبت في العام 1975 واستمرت لأكثر من 16 سنة، كان لها دور كبير في تهدئة الأمور، أو مساعدة المحتاجين من مسكن وملبس وغذاء، وتعاونت مع كل المؤسسات والمجالس البلدية والفعاليات الاجتماعية والصليب الأحمر وغيره من أجل تلبية طلب كل محتاج، وساعدت المهجَّرين إلى غير مناطقهم، حتى بيتها فتحته أمام هؤلاء.
لم تنس الأميرة الجرحى والمرضى في المستشفيات فكانت تزورهم وتتفقدهم، كتبت جريدة “لسان الحال” اللبنانية حول هذه الزيارات. تقول: “لا يحتاج جرحى الحوادث إلى شيء قدر حاجتهم إلى ابتسامة حنان والتفاتة عطف، وإلى دفقة محبة يعطيها الإنسان من القلب، لقد أشرق الأمل حلواً ندياً في عيون الجرحى والمعذبين أتى إليهم رفيقاً حنوناً كما نسيم الصباح كما قطرة الندى، كما البلسم على الجراح العميقة، شكراً باسم هؤلاء جميعاً للسيدة الفاضلة الأميرة خولة أرسلان، التي أحست مع المعذبين فأتت من قصرها تحمل إليهم الكلمة الحلوة والبسمة العذبة والعاطفة السمحاء”.
وحدة الصف الدرزي
في السنوات الخمس الأخيرة من حياة الأمير مجيد أرسلان قامت الأميرة خولة بدور المستشارة له، والمنفذة لسياسته، فقد كانت تحضر العديد من الاجتماعات واللقاءات السياسية، وأجرت الكثير من الاتصالات مع أقطاب الحكم والشخصيات السياسية، ولعبت دوراً ريادياً في تحقيق سياسة الأمير مجيد الوطنية والدرزية والاجتماعية، وشاركت في التحضير لوحدة الصف الدرزي التي توِّجت بالبيان المشترك الذي صدر في عاليه بتوقيع سماحة شيخ عقل الطائفة الدرزية المرحوم محمد أبو شقرا، والأمير مجيد أرسلان ووليد بك جنبلاط، كما ساهمت في إعداد المذكرة الدرزية التي تقدم بها الرؤساء والمكتب الدائم للمؤسسات الموحدة إلى الحكم، وشاركت في الجهود الرامية إلى عدم إشعال معارك الجبل تجنباً لأي شر طائفي ومنعاً لوقوع ضحايا.