بسم الله الرحمن الرحيم
لم أشأ أن أُغادر هذه الفانية لملاقاة وجه ربي دون أن أبلغكم بعض هواجسي التي لم تغب عن تفكيري وتوجهاتي طوال حياتي. وقد رأيت أن أُوجز تلك الهواجس في هذه الرسالة التي وددت أن تحمل معنى (الوصية) لما أعلقه على استيعابها والأخذ بها من أهمية قصوى في الحاضر والمستقبل بالنسبة لطائفتنا الدرزية الكريمة عامة، ولكل فرد من أفرادها بصورة خاصة.
فعليه، إني أُناشدكم – بحق ما عرفتم به من إباء وشمم ووعي ومروءة:
- أن يتذكر كل فرد منكم دائمًا أصله وجذوره وتراث الطائفة الدرزية وتاريخها وأمجادها، وأن يروي ذلك لأحفاده وأولاده، وأن يزرع في أفكارهم ونفوسهم فضيلة التمسك بالقواعد المسلكية والأخلاقية التي كانت وراء تلك الأمجاد الباهرة والتاريخ المضيء، وأن تحافظوا على تماسككم ووحدة صفكم في السراء والضراء على حدٍ سواء.
- أن تعملوا دائمًا على بقاء قيادتكم واحدة موحدة في جميع الظروف، لأن التجارب الكثيرة التي مرت بها الأمم والشعوب قد أكدت أن لا منعة لأية أمة ولا رفعة ولا تقدم ولا طمأنينة ولا استقرار ولا كرامة إذا ابتليت بالتخاصم والتفرق.
- أحذركم من الهجرة المتمادية التي تحمل في طياتها بذور التفتت والتفكك المولدين للضعف العام على المدى الطويل، مع ما ينشأ عن ذلك – في كثيرٍ من الأحيان، من فقدان لهوية وطنكم التي وفرت وتوفر لكم عوامل المهابة والاحترام والاستقرار.
- أحذركم الزواج من الأجانب لما في ذلك من تنكر لمبادئ العقيدة التوحيدية وخروجٍ عن كل تقاليدها وعاداتها الشريفة، فضلًا عما يتولد عن ذلك من طمس لهذه العادات والتقاليد ووأد لكل ما يتصل بها، مما نفتخر به، من تاريخ وتراث، لا تقتصر نتائجه عليكم، بل تتعداكم إلى أبنائكم الذين يصبحون في غربة تامة عن كل تلك القواعد الصلبة التي ساعدت آباءكم وأجدادكم على النهوض بأشق المسؤوليات ومواجهة أفدح الأخطار واحتلال المراكز المرموقة خلال تاريخهم الحافل بالمآثر والمروءات.
- أحذرُ من السقوط في حمأة المخدرات وتعاطيها، والمسكرات وممارسة ألعاب القمار والتدخين، ليس لأنها من المحرمات فحسب، بل لأنها تُفقد الصحة والمال والرجولة والكرامة أيضًا في أحيان كثيرة.
- أحثكم على الإقبال على تحصيل العلوم التطبيقية وعدم الاكتفاء بالعلوم النظرية، كما أحثكم على إيلاء النشاطات التجارية والصناعية والفنية المحترمة قسطًا وافرًا من جهدكم، وذلك لكي لا يسبقكم الزمن فتظلوا على صلة وثيقة بما هو مألوف في العصر الذي تعيشون فيه بالتحديات القائمة بين الأفراد والجماعات.
- أحثكم على الاهتمام بإقامة المؤسسات على اختلاف وجوهها ومواضيعها ونشاطاتها من صحية، اجتماعية، ثقافية، وإنسانية، لأن المؤسسات السليمة تُحصن وجودكم وتحفظ كرامتكم وتؤكد عزتكم وتساعدكم على تلبية حاجاتكم وتدفع بكم إلى الأمام في مجالات التقدم، التحرر، والازدهار.
هذه هي رسالتي بل وصيتي لكم، أيها الإخوان والأخوات والأبناء الموحدون، وإني لأمل أن تتأملوا مضامينها وتدققوا أبعادها وتعملوا أفرادًا وجماعات، لأني مؤمن بأن في الالتزام صونًا لوجودكم الكريم وتحصينًا لهذا الوجود في الوطن وخارج حدود الوطن على مدى الأيام والدهور. وبالله المستعان على ما فيه خيركم وعزتكم.