أقيم موقف تأبيني لمعتمد مشيخة العقل في واشنطن “رجل البر والمعروف” المهندس المرحوم الشيخ فؤاد نسيم سليم المتوفى في المهجر (الولايات المتحدة الاميركية)، وذلك في مسقط رأس الراحل في دار بلدة جباع الشوف.
وشارك في الموقف سماحة شيخ العقل لطائفة الموحدين الدروز الشيخ الدكتور سامي أبي المنى الذي حضر على رأس وفد من المشايخ وأعضاء من المجلس المذهبي ومن مديريتي مشيخة العقل والمجلس المذهبي، ممثل عن سماحة الشيخ القاضي نعيم حسن الشيخ فاضل سليم ومشايخ وفاعليات وأهالٍ من البلدة والمنطقة.
شيخ العقل
وسبق صلاة الغائب عن روح الراحل، كلمات بالمناسبة، لكل من: الاستاذ رجا سعد الدين، رئيس بلدية جباع المهندس ايهاب حماد، الشيخ فاضل سليم باسم العائلة والاستاذ شفيق يحي من بيت اليتيم الدرزي، وختاماً تحدّث سماحة شيخ العقل قائلاً:
بسم الله الرحمن الرحيم
“مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا”.
الأخوةُ الأعزَّاء، آلَ سليم والأنسباء، الأحبّةُ والأصدقاء…
نودِّع وإيَّاكم اليومَ علماً من أعلامِ الجالية اللبنانية في الولايات المتّحدة الأميركية؛ العمّ الشيخ فؤاد سليم، راحلاً براحةٍ واطمئنان، راضياَ مَرضيَّاً، مُقرنين شعورَ الألم والحسرة بثبات الإيمان والرضا والتسليم، ومواكبين الرحيلَ بكلماتِ الوفاء والشهادة، علَّنا نفيه وعارفيهِ ببضعِ عباراتٍ من تقديرٍ واحترام، شاهدينَ بثقةٍ وأمانة أنّه كان النموذجَ الصالحَ في التضحية والعطاء، والمثالَ المتميِّزَ في الأصالة والوفاء.
الشيخ فؤاد سليم سليلُ عائلةٍ معروفيّة معروفةٍ بنضالها الوطني وتقدّمها العلمي وعملها الإنساني منذ زمنٍ بعيد، المعتَمَدُ الحاضرُ دوماً في مجتمعِه التوحيديّ، والمتطّوعُ الدائمُ لعمل الخير، والمناضلُ الثابتُ منذ ريعان الشباب وحتى بعد تقدُّم السنّ وتراجعِ الصحة، والمُدركُ بعمقٍ أنّالاغترابَ عن الوطن يُمكنُ أن يصبحَ مأساةً حقيقية إذا ما تحوَّلَ إلى اغترابٍ عن الهويَّة الروحيّة وانقطاعٍ عن الجذور الاجتماعية والثقافية والوطنية، في حال لم يكن هناك رجالٌ محافظون أمثالُ الشيخ فؤاد، قيّمون على مهمّة جمع الشمل والتعاضد وبثّ روح المحبة والإلفة والتواصل بين أبناء الطائفة والمجتمع.
وإذا كان موضوعُ الأيتام من أُولى اهتمامات الشيخ فؤاد سليم، فإن همَّه الأكبرَ كان دائماً توجيهُ الشباب وأبناءِالجالية الدرزية إلى حقيقة دينهم ومسلكهم، ودعوتُهم للتمسك بالفضائل والقيم المعروفية وبالإيمان الصحيح طلباً لرضى الله تعالى وحرصاً على إرث الأجداد وصيانة الأولاد والأحفاد.
الشيخ فؤاد سليم رجلُ خير واندفاع، وداعيةُ صُلحٍ واجتماع، وواحدٌ من نخبة القوم من أبناء الجالية الدرزية واللبنانية في الولايات المتحدة الأميركية، وأحدُ أركان الجمعية الدرزية الأميركية المخلصين، صاحبُ الهمَّةِ العالية والقلبِ النابضِ بالحيوية والطِّيبة والإيمان، والرجلُ المقدامُ الذي لم يركنْ إلى الراحةِ يوماً ولم يتوانَ لحظةً عن حثِّ المحسنين على عمل الخير والقيام بالواجب، وهو مَن كان يجمعُ المالَ قطرةً قطرة، فيدقُّ الأبواب والهواتف، ويستصرخَ الضمائرَ والقلوب لرعاية يتيمٍ ومساعدة محتاج.
الشيخ فؤاد سليم كان الأمينَ المؤتَمَنَ على الإيمان ومبادئ التوحيد والقيم في مجتمعه، متحسِّراً لابتعاد الناسعن حقيقة الدين والغرق في مجالات اللهو والعبث والصورة والعَرَض بدلَ التمسُّك بالجوهر والحقيقة، فكان المؤمنَ الملتزمَ بآداب الدين، والمخلصَ الطيِّبَ السريرة، الصادقَ بالتزامه وتجرُّدِه، الصَدوقَ بصداقتِه ومحبته، والحريصَ الدائمَ على حفظ الأهلِ وصَون التراث.
في العام 2009 أنصفته الجمعيةُ الدرزية الأميركية باختياره رجلَ العام، وفاءً لعطائه واعترافاً بفضلِه، إذ كانالموحِّدَ المعروفيِّ الجامعَ بين الأصالةِ والانفتاح، والقدوةَلأبناء طائفتِه في عالَم الانتشار، باندفاعِه اللامحدود وبصدق إيمانه وتعلُّقِه برسالة الآباء والأجداد، وهو من كان من الموحِّدين الراسخين في انتمائهم وإيمانِهم، الذين ما انفكُّوا يزرعون الأملَ في القلوب، والمعروفَ في النفوس، ليُثمرَ زَرعُهم خيراً في الأجيال الطالعة.
تحيةً لروحك الطيِّبة يا عمّ فؤاد، وقد قُدِّرَ لنا أن نزورَك في المهجر فالتقيناك وعرفناك عن قربٍ بعد أن سمعنا عنك عن بُعد، فكنت الأبَ والأخَ والصديقَ الوفيّ، وها نحن اليوم في مقام مشيخة العقل وفي موقِعِ المسؤولية في الطائفة المعروفيّة العريقة، نعتزُّ بك كما نعتزُّ بأمثالِك، ونعاهدُك بأن يبقى ذِكرُك شعلةً للخير لا تنطفئ، ورسالةً في الإنسانية لا تنكفئ، مُلهِماً لمؤسساتِنا التوحيديّة ومحفِّزاً لأبنائنا الموحِّدينَ الأصيلين، كواحدٍ من أولئك الطليعيين الذين حملوا همومَ الطائفة والمجتمع، ومن أولئك الأفذاذِ المميَّزين الذين عاشوا الغربةَ ولم يغتربوا، بل زادتهم غربةُ الجسد تعلُّقاً بانتمائهم الروحي، وتمسُّكاً أخلاقيّاً بالطريق السليم والصراط المستقيم.
أيُّها الصديقُ الغالي والأخُ الناصحُ المُحِبّ، لروحِك نسألُ اللهَ الرحمةَ والغفران، ولعائلتِك ومحبِّيك وعارفيك السلامةَ والأمان، رافعين إليه سبحانه وتعالى الرجاءَ والدعاءَ، مردِّدين قولَه عزَّ وجَلّ: “يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي”، بادئين وخاتمين بلازمة العقيدةِ والإيمان: “إنَّا لله وإنّا إليه راجعون”.