برعاية رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي النائب تيمور جنبلاط ممثلاً بالنائب مروان حمادة، أقامت المكتبة الوطنية- بعقلين وأكاديمية الكوفة- هولندا ندوة حول كتاب “الحكيم الموحّد كمال جنبلاط في تجلياته الهندية” للباحث الأستاذ محمد سعيد الطريحي، تحدث فيها الدكتور فؤاد جان ناصيف، والدكتور ناصر زيدان في حين تولت إدارتها نائبة رئيس رابطة أصدقاء كمال جنبلاط المحامية غادة جنبلاط.
حضر الندوة رجال دين، عضو المجلس المذهبي لطائفة الموحدين الدروز الأستاذ أسامة ذبيان ممثلاً شيخ العقل الدكتور سامي أبي المنى، الشيخ يوسف الأشقر ممثلاً مؤسسة العرفان التوحيدية، فعاليات حزبية وبلدية وعسكرية وأمنية، وجوه ثقافية وتربوية، وحشد من المهتمين غصت بهم قاعة المحاضرات في المكتبة الوطنية.
جنبلاط
النشيد الوطني اللبناني إستهلالاً، ثم كلمة الإفتتاحية ألقتها المحامية غادة جنبلاط وتطرقت فيها إلى عالم جنبلاط الحكيم الموحد “هو عالم الزهد والتنسك، عالم الإنعتاق من قيود المادة والترفع عن الشيئية، والسير في معراج النور الموصل إلى الحقيقة– الله، فالحقيقة بالنسبة إليه هي العلة والغاية، وهي المعيار لكل شيء. فالإنسان لا يستطيع إدراك الحقيقة إلا إذا تجرد وإنسلخ عن نفسه، لذلك إعتبر المعلم أن الصوفية هي طريق الخلاص الذي يحرره من كل ما يعيق إكتشافه لجوهره الإنساني”.
وأضافت “مارس المعلم الناسك صوفيته في حياته الخاصة، فاقتصرت غرفته على فراش فوق حصيرة ،وبساط وتراريح، وإناء للبخور، وإبريق وجرة فخار، وشموع في كل مكان. وإقتصر غذاؤه على خيرات الطبيعة الأم. في غرفته كان يطهر نفسه من كل محسوس، ويتلو صلواته في حضرة الطبيعة، ويتوحد مع الوجود”.
وعن الكتاب موضوع الندوة قالت جنبلاط “عبارة عن توليفة فكرية بين أبحاث ومقالات تناولت سيرة المعلم وتأثره بالفلسفة الهندية. فقد زاوج المعلم بين الصوفية التوحيدية والفلسفة الهندية التي كان يسترشد بها، وكان يعتبر “أن الهندوسية هي نهج في الحياة، واتجاه عام في التفكير والأعتقاد، وفي التصرف، يجمع شتى أنواع المذاهب الجماعية والفردية ، كنهر ضخم واسع يؤلف في مياهه جميع الجداول والسواقي والأنهر التي تصب فيه”.
ناصيف
إستهل الدكتور ناصيف مداخلته بالطلب إلى الحاضرين بالتشارك في دقيقة صمت والتواصل من خلالها مع أجواء السلام والمعرفة التي منبعها الهند، وإرسالها إلى الأطفال والنساء والعائلات في غزة الذين يعانون منذ عدة أشهر ما يفوق التصور والقدرة على التحمل، موضحاً “هذه الأجواء أدخلها كمال جنبلاط في حياته اليومية وتغذى منها وقدمها للآخرين”.
وأشار إلى علاقة كمال جنبلاط بالروحانية الهندية وتقاليدها وفلسفتها ومسالكها، والتي تطرق لها كتاب الأستاذ الطريحي ولخص بإخلاص وترتيب موفق أبرز ما توفر من معلومات وشهادات عن زيارات وإرتباطات ونشاطات وإختبارات “كمال جنبلاط” مع الهند الروحية. كما ويتضمن الكتاب أبرز ما كتبه وترجمه وعرضه.
وذكر ناصيف المعلم الهندي المميز السوامي شيدانندا، الصديق الروحي للمعلم كمال جنبلاط، الذي كان يزور لبنان بإنتظام في السبعينات والثمانينات وينزل في بلدة بعقلين.
بعدها تطرق إلى العناوين الثلاثة التي طبقها “كمال جنبلاط” في مقاربته للممارسات الروحية الهندية وهي: “أولاً الإختبار الشخصي، أن لا يكون الدافع في مسلكنا الديني هو التقليد الشكلي أو السطحي لما يفهمه فكرنا كممارسة روحية، أو ما تشرحه الكتابات أو كلام المعلمين ويستوعبه ذهلنا كمسلمات، العبرة هي في الإختبار الخاص من خلال القلب والروح فيشكل هذا الإختبار تجربة خاصة بالفرد”.
“ثانياً، الممارسة تحت إشراف معلم روحي (الغورو)، فحسب التقليد الروحي الهندوسي، أول أمر يقوم به الباحث الروحاني الصادق والجدي هو تجهيز النفس لملاقاة المعلم الروحي الخاص به. ومن واجب التلميذ الإنفتاح الكامل له ويترجم ذلك بإظهار إحترام كلي لشخص المعلم الغورو يصل الى الخضوع الكامل لتعاليمه، وإرشاداته، وتعليماته، ومشيئته، …، وقد اتبع “كمال جنبلاط” هذا السلوك تجاه معلمه شري اتمانندا، وبمثالية ملفتة، منذ لقائه الأول به عام 1951 وحتى مغادرة أتمانندا لهذه الدنيا عام 1959، وتوجه بعدها إليه في كتاباته بتسمية معلمي ومرشدي مولاي الحكيم شري أتمانندا” وأهداه أهم مؤلفاته الشعرية والصوفية”.
“ثالثاً، الممارسة بدافع الدارما الأسمى، فالممارسات الروحية الصحيحة والصالحة يكون الدافع وراءها خارج عن ال Ego وألاعيبه المتشعبة والماكرة. ففي الممارسة السليمة يكون الجو الداخلي جو تحاور مع الرب وصفاء مع الذات، وكمال جنبلاط أدرك أهمية وقدرات هذا ال Ego الحاذق والماهر، فسعى دوماً أن يبقى دافعه في مختلف ممارساته اليوغية هو الدراما الأسمى Highest Pharma الواجب والطريق الأرفع ألا وهو تطهير النفس والروح، وتحقيق الذات الأبدية The Eternal Self”.
زيدان
ورأى الدكتور زيدان أن “الكتاب يُلقي الضوء على فرادة كمال جنبلاط، فهو مثالي وعاش الواقعية بتفاصيلها، لا سيما من خلال دورهِ القيادي المُتقدم، وفي متابعتهِ لتفاصيل الحياة السياسية والحزبية وتشعباتها المحليةِ والعربيةِ والدولية، حتى أن فكرة تأسيس الحزب التقدمي الإشتراكي في العام 1949؛ جاءت مُنسجمةً مع الرؤى التي آمن بها جنبلاط، وقد اعتبر ميثاق الحزب أن الإنسان هو غاية أي مؤسسة وعمل بشريين، فلا يجوز إستخدام هذا الإنسان كوسيلةٍ لتحقيقِ ربحيةٍ مُتفلِّته كما يحصل في بعض دول الغرب الرأسمالي، ولا ظلمهِ وقهرهِ من أجلِ السلطة أو لتنفيذ مشاريع توسُّعية أو لزيادة النفوذ كما يحصل مع شعب فلسطين المُعذب، ولا يجوز تقييد حرياته كما كان يجري في بعض البلدان التي طبقت الشيوعية على غير مقاصدها، كما في بعض الدول العربية التي جنحَت نحو الإستبداد وحوَّلت واحات الخير والأصالة الى سجنٍ كبير، وهو دعا الى تحقيق إشتراكية أكثر إنسانية تنسجم مع الآدمية البشرية، والعمل على تحقيق هذا الهدفُ برأيهِ يسمو على أهمية أي عمل آخر لأنه يخدم الإنسان”.
ولفت إلى أنه “عندما عرض “كمال جنبلاط” فكرة تخليه عن السياسة على مُعلمه الحكيم شيري اشنكارا، رفض اشنكارا هذا الخيار، وتمنىّ عليه الإستمرار بالقيام بدوره الوطني والأممي، لأنه بذلك يعطي نموذجاً على أنسنة السياسة، ويغنيها بأبعادٍ فكريةٍ وروحية، بإعتبارها أشرف المهن لأنها تتعلق بقيادة الناس وبالدفاع عن مصالحهم وليس إستغلالهم ودفعهم نحو البؤس والعوَز. ويمكن ملاحظة إعتبار جنبلاط للمشاركة في أعمال ترميم منازل بلدة باتر الشوفية التي تضررت في زلزال العام 1956 على سبيل المثال؛ كجزء من حراك له ارتدادات كونية، أو أنه مرتبط بالطاقة الخارقة، التي تفرض الوقائع كما تفرض طريقة التعامل معها في آن”.
وقال زيدان “تذكر الباحثة في الفلسفة الهندية السيدة نهاد أبو عياش التي كانت في الهند في 16 آذار 1977 (ص 33)؛ أن المعلم شيري اشنكارا ألغى برنامجه الديني الحافل في ذلك اليوم، وطلب إضاءة المشاعل عندما علِم باغتيال كمال جنبلاط، وهو ما لم يحصل لأي سياسي سابقاً، إلا عند استشهاد المهاتما غاندي عام 1948 وإبان إعلان وفاة الزعيم التاريخي جواهر لآل نهرو عام 1964”.
وتابع “ولعلّ توصيف الباحث الطريحي في الصفحة 14، يعبر أبلغ تعبير عن حقيقة النزعة التوحيدية لدى كمال جنبلاط، بحيث يراها بُنيت على تجاربٍ فكريةٍ وروحانيةٍ سابقة، ومن ضمنها الفلسفة الهندية ونتاجها اليوغي، والأسس الإسلامية المتجردة، والنزعات المسيحية المتحررة التي أظهرها الراهب اليسوعي الفرنسي تيلار دي شردان بأفضل مشهد”، ليختم مداخلته بتوجيه الشكر إلى صاحب الرعاية وناشر الكتاب والحاضرين.
الطريحي
في مستهل حديثه وجه الباحث الأستاذ الطريحي سلاماً “على من جمعنا اليوم باسمه وهيبته ومكنونات فضله في هذه الأمسية، الحكيم الموحد كمال جنبلاط”، وتابع “جرى على لساني ذكر العراق ولبنان في أول كلامي في هذه المناسبة الطيبة لما لهما في قلبي من المودة والتجلّة باشتراكهما في المجد المؤثل والحب المتبادل، ومن بينات ذلك أنه منذ أسبوعين هاتفني أخي الأستاذ الدكتور منير حمزة من أجل ترتيب هذا اللقاء ثم ها تفني مؤكداً الدكتور ناصر زيدان، فعزمت على الإقامة في بغداد لأيام قبيل سفري الى بيروت، وكان من محاسن الصدف أو قل المشيئة أن تكون إقامتي في منزل يقابل ساحة جنبلاط وسط بغداد فسعدت بهذه المقاربة وتفاءلت خيراً، وجرى الحال على أن أكتب شيئاً فيما تخاطر على ذهني من قراءاتي لفكر جنبلاط وبخاصة فيما يتعلق بآفاقه الروحية السامية الرحبة فعمدت إلى تصفح ما سبق أن جمعناه ضمن الكتاب الصادر عن أكاديمية الكوفة والذي كان القصد منه أن يكون مفتاحاً أو مدخلاً إلى دراسة فكر جنبلاط وإهتماماته بالفكر الفلسفي الهندي، ووقع نظري على صورته المنشورة في الصفحة 12 والتي يبدو فيها السيد الحكيم الموحد في عالم الخفيات وقد شغله الحال عن كل حال وبدا فيها جالساً على بساط الزهادة مفكراً متأملاً مبحراً في عوالم الحكمة، فأوحت لي هذه اللقطة الفريدة بالسطور التي كتبتها ساعتئذ، وها هي بين يدي أتلوها كما أُنزلت عرفاناً وتبجيلاً لسيد الحكمة أو ذكرى طيبة لروحه الملهمة.
وأردف “لقد طبعت الروحانية الهندية حياة كمال جنبلاط الفكرية بما انتج وكتب كما سلك سبيل حكماتها عملاً وسلوكا”، مشيراً إلى أن “المعلم كمال جنبلاط كان باحثاً عن حقيقته، فالحقيقة سر تعلقه بالهند، ورحلاته اليها حباً وشغفاً وإشباعاً لرغبة غيبية عارمة، كانت تهيمن على فكره وتسيطر على حواسه. إن تجربته الروحية في الهند وإهتماماتة بالفكر الفلسفي الهندوسي تحتاج الى دراسات معمقة، وما بين دفتي هذا الكتاب مفتاح ومحاولات ومدخل لدراسة تجلياته الهندية جمعتها لتحفيز طلاب العلم والحقيقة على التعمق فيه ودراسه الجانب الصوفي في روح جنبلاط وتبيان مقامه الناطق بلسان التوحيد فكان الجذوة التى لا يخبو أوارها بعلمه وعمله وسيرته ومسيرته وعمله ونهجه، فسلام عليه في الخالدية.
حمادة
وكانت مداخلة للناىب مروان حمادة قال فيها “هذه اللحظات التي جمعتنا قد تكون من أهم اللحظات والمحاضرات التي حضرناها في هذه المكتبة الوطنية حقاً”، متوجهاً بالتقدير إلى المحاضرين.
وتابع “ليس صدفة أن يكون الكتاب الذي وقعه الناىب تيمور جنبلاط، والذي أتشرف بتمثيله الليلة، وكنت أتمنى لو كان حاضراً معنا الليلة لكان إستفاد، مثلما استفدنا، من كل هذا الكلام عن المعلم الشهيد الذي لطالما فتش عن الحقيقة، وربما عندما جاهر بها أمام البعض من حكام العرب لاقوه بالإغتيال، لأنه رفض إدخال لبنان في السجن العربي الكبير”.
بعدها قدم حمادة كتاب المعلم الشهيد كمال جنبلاط “فلسطين قضية شعب وتاريخ وطن”، إلى الطريحي قائلاً “لقد إختار تيمور جنبلاط هذا الكتاب من بين كتب جده، والذي هو عنوان المرحلة الحالية ربما، لإهدائه لك كعربون صداقة وتقدير لعلمك وسعة إطلاعك على “التوحيد” وتعميم هذه الأفكار التي نؤمن بها ونتمنى أن تقودنا إلى خلاص لبنان والأمة العربية.